Sunday, March 27, 2011

الثورة وشلل التحليل









فماذا إذا كان الشعب يريد إسقاط النظام

في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن وفي الجزائر وفي السودان في موريتانيا

وإذا كان الشعب يريد تغير النظام

في ساحل العاج وفي السعودية وفي البحرين وفي سوريا وفي الكويت وفي العراق وفي المغرب وفي الأردن وفي فلسطين ،

وإذا كانت الثورة نص يكتبه الشعب فكيف نقرأه ؟وبأية عدسات وبأية لغة؟

نعم لقد فككت الثورة الواقع وبددت النظام ولكن أين السلطة؟


نص

في السلطة

كلمة "سلطة" هذه يمكن أن يتمخض عنها سوء فهم كبير، سواء فيما يتعلق بتحديدها أو شكلها أو وحدتها.فأنا لا أعنى بالسلطة ما دئبنا على تسميته بهذا الاسم وأعنى مجموع المؤسسات والأجهزة التي تمكن من إخضاع المواطنين داخل نظاما من الهيمنة يمارسه عنصر على آخر ، أو جماعة على أخرى ، بحيث يسرى مفعوله ، بالتدريج في الجسم الاجتماعي بكامله . إن التحليل الذي يعتمد مفهوم السلطة لا ينبغي أن ينطلق من التسليم بسيادة الدولة أو صورة القانون أو الوحدة الشاملة لهيمنة معينة ؛ فهذه ليست بالحري إلا الأشكال التي تنتهي إليها السلطة يبدو لي أن السلطة تعني بادئ ذي بدأ علاقات القوى المتعددة التي تكون محايثة للمجال إلي تعمل فيه تلك القوى،مكونة لتنظيم تلك العلاقات؛إنها الحركة التي تحول تلك القوى وتزيد من حدتها وتقلب موازينها بفعل الصراعات و المواجهات التي لا تنقطع، وهى السند الذي تجده تلك القوى عند بعضها البعض،بحيث تشكل تسلسلا ومنظومة،أو على العكس من ذلك، تفاوتا وتناقضا يعزل بعضها عن بعض؛وهي أخيرا الاستراتيجيات التي تفعل فيها تلك القوى فعلها،والتي يتجسد مرماها العام ويتبلور في مؤسسات أجهزة الدولة وصياغة القانون وأشكال الهيمنة الاجتماعية.إن شروط إمكانية السلطة،أو على الأقل، إن وجهة النظر التي تسمح بفهم ممارستها وإدراكها حتى في أكثر مفعولاتها "هامشية" والتي تسمح كذلك بتوظيف آلياتها كمنظور لفهم الحقل الاجتماعي، إن وجهة النظر هذه لا ينبغي البحث عنها عند نقطة مركزية تكون هي الأصل، وبؤرة وحيدة للسيادة تكون مصدر إشعاع لباقي الأشكال الثانوية التي تتولد عنها؛ وإنما ينبغي رصدها عند القاعدة المتحركة لعلاقات القوى التي تولد دونما انقطاع، وبفعل عدم التكافؤ بينها، حالات للسلطة ولكنها دوما محلية وغير قارة. السلطة حاضرة في كل مكان، ولكن ليس لأنها تتمتع بقدرة جبارة على ضم كل شيء تحت وحدتها التي لا تقهر، وإنما لأنها تتولد، كل لحظة، عند كل نقطة، أو بالأولى ،في علاقة نقطة بأخرى.إذا كانت السلطة حالة في كل مكان،فليس لأنها تشمل كل شيء وإنما لأنها تأتي من كل صوب. وليست السلطة بصيغة المفرد، بما لها من استمرار وما فيها من تكرار وقصور وخلق ذاتي، ليست إلا نتيجة عامة ترتسم انطلاقا من جميع هذه الحركات، وليست إلا الرباط الذي يستند إلى كل حركة فيسعى إلى تثبيتها. لاشك أننا ينبغي أن نعتنق هنا النزعة الاسمية فلا ننظر إلى السلطة على وضعية إستراتيجية معقدة في مجتمع معين. هل ينبغي عندئذ قلب العبارة التي تقول إن الحرب سياسة لاتعتمد وسائل السياسة للقول بأن السياسة حرب لا تعتمد نفس الوسائل؟إذا أردنا أن نبقي على الفصل بين الحرب والسياسة فربما وجب أن نقول ،بالأحرى، إن هذا التعدد لعلاقات القوى يمكن أن يعبر عنه – في جزء منه وليس في مجموعه مطلقا – في صيغة "الحرب"أو في صيغة "السياسة"؛ فهاتان إستراتيجيتان متباينتان (ولكن يمكن لإحداهما أن تحل بسرعة محل الأخرى) لضم علاقات القوة، تلك العلاقات التي يطبعها اللاتوازن والتنوع والتوتر وعدم الاستقرار. بإمكاننا ،على غرار هذا النهج أن نقترح عددا من القضايا: إن السلطة ليست شيئا يحصل عليه وينتزع أو يقتسم، شيئا نحتكره أو ندعه يفلت من أيدينا ؛ إنها تمارس انطلاقا من نقط لاحصر لها وفي خضم علاقات متحركة لا متكافئة لا تقوم علاقات السلطة خارج أنواع أخرى من العلاقات (العلاقات الاقتصادية والعلاقات المعرفية والعلاقات الجنسية)، وإنما هي محايثة لها؛ إنها النتائج المباشرة التي تتمخض عن التقسيمات واللاتكافؤات والأختلالات التي تتم في تلك العلاقات؛ وهي الشروط الداخلية لتلك التمايزات. لاتقوم علاقات السلطة في بنية عليا، ولا يقتصر دورها على الحظر والتجديد، بل إن لها، حيث تعمل عملها، دورا خلاقا. إن السلطة تأتي من أسفل ؛ وهذا يعني أن ليس هناك، في أصل علاقات السلطة وكطابع عام، تعارض ثنائي شامل بين المسيطرين ومن يقعون تحت السيطرة، بحيث ينعكس صدى هذا التعارض من أعلى إلى أسفل، وعلى جماعات يزداد ضيقها إلى أن يبلغ أعماق الجسم الاجتماعي. ينبغي بالحري أن علاقات القوة المتعددة التي تتكون وتعمل في أجهزة الإنتاج والأسر والجماعات الضيقة والمؤسسات تكون حاملا للانقسامات التي تسري في الجسم الاجتماعي بمجموعه. حينئذ تشكل هذه الانقسامات العمود الفقري الذي يخترق المنازعات المحلية ويربط بينها؛ وكرد فعل ، فهي تقوم، بطبيعة الحال بإعادة توزيع تلك المنازعات وتنظيمها ومها وتوحيدها والربط فيما بينها وجمعها. وما أشكال القهر الكبرى إلا نتائج الهيمنة التي تدعمها على الدوام شدة كل تلك المواجهات والمنازعات. إن علاقات السلطة هي ، في ذات الوقت، علاقات قصديه ولا تصدر عن ذات فاعلة، والواقع أنها إن كانت علاقات معقولة، فليس لأنها،بالمعنى العلي، مفعول مستوى آخر، هو الذي من شأنه أن "يفسرها" وإنما لأن هناك حسابات تسري فيها، فلا وجود للسلطة من غير مجموعة من المقاصد والأهداف. ولكن ذلك لا يعني أنها تتولد عن اختيار ذات فردية وقرارها؛ فلا ينبغي أن نبحث عن الهيئة العليا التي تكون مصدر معقوليتها، فلا الفئة الحاكمة، ولا الجماعات التي تسهر على تنظيم شبكة السلطة التي تعمل في مجتمع معين (وتدفعه الى الحركة والعمل). إن معقولية السلطة هي معقولية التخطيطات التي غالبا ما تكون صريحة في المستوى المحدود الذي تتم فيهن وهذه التخطيطات تترابط فيما بينها وتتناشد وتنتشر واجدة دعامتها وشروط وجودها خارجا عنها، فترسم في النهاية تشكلات جماعية: هناك يكون منطق العمل واضحا صريحا كما تكون المقاصد بينة ظاهرة، وبالرغم من ذلك فقد يحدث أن لا يظل هناك من يكون قد تصورها، وأن لايبقى إلا القلة القليلة لصياغتها : تلك هي الخاصية الضمنية للاستراتيجيات الكبرى مجهولة الاسم التي تكاد تكون خرساء، والتي تنسق فيما بين التخطيطات الثرثارة التي غالبا ما يكون "واضعوها" أو المسئولون عنها براء من كل نفاق. حيث تكوم السلطة ،تكون مقاومة. ومع ذلك، أو على الأصح، بسبب ذلك فإن هذه المقاومة لاتقوم خارج السلطة، فهل يجب القول بأننا لابد وأن نكون "داخل" السلطة، وإننا لا "نفلت من قبضتها" ,إن لا وجود لخارج مطلق بالنسبة للسلطة لأننا لابد وأن نخضع للقانون؟أم ينبغي القول بأنه لما كان التاريخ مكرا للعقل، فإن السلطة مكر للتاريخ – وهو المكر الذي تكون له الغلبة؟من يذهب إلى هذا القول يتجاهل الطابع العلاقي لعلائق القوة. إذ لا وجود لهذه إلا بدلالة نقط مقاومة كثيرة. وهذه النقط تلعب في علاقات السلطة دور الخصم والهدف والدعامة والمتكأ. ونقط المقاومة هذه حاضرة في كل مكان من شبكة السلطة. فلا وجود إذن بالنسبة للسلطة لمكان وحيد هو مكان الرفض المطلق – وروح الثورة وبؤرة جميع التمردات والقانون الخالص للثوري. بل هناك مقاومات وهي حالات تنتمي إلى أنواع كثيرة: فهناك المقاومات الممكنة والضرورية وغير المحتملة والتلقائية والمتوحشة والمنعزلة والمدبرة والمستكينة والعنيفة والمتضاربة والميالة إلى الصلح، والهادفة الى مصلحة وتلك التي لا تتوخى هدفا بعينة ، وهذه المقاومات لا يمكن أن توجد ، تحديدا، إلا في حقل استراتيجي لعلاقات القوى. ولكن هذا لا يعنى أنها ليست إلا رد فعل وصدى، إنها تشكل بالنسبة للسيطرة الأساس وجهها الآخر المنفعل على الدوام والمعرض للهزيمة اللامتناهية. لا تنشأ المقاومات عن أسباب مغايرة،ولكن هذا لايعني أنها خديعة أو وعد لابد ألا يوفى به، إنها تشكل الطرف الآخر في علاقات السلطة، أنها ترتسم فيها كالمقابل الذي لايمحي، لذا فهي كذلك موزعة بطريقة لا انتظام فيها:إن نقطة المقاومة وبؤرها مشتتة تختلف كثافة حسب الزمان والمكان، فأحيانا تقيم جماعات وأفرادا لتواجه بصفة نهائية، وتوقظ بعض المناطق من الجسد، وتنعش بعض اللحظات من الحياة وتحي بعض أنواع السلوك والتصرفات ، فهل بإمكانها أن تحدث انفصالات كبرى جذرية، وانقساما ثنائيا هائلا؟أحيانا. ولكن في أغلب الأوقات نجد أنفسنا أمام نقط مقاومة متحركة مؤقتة تقحم في المجتمع صدعا متنقلا، فتعدد وحدات وتضم شتات جماعات، وتحدث انفصاما في الأفراد ذاتهم وتشتتهم وتعيد صياغتهم راسمة عليهم، وعلى أجسامهم ونفوسهم ، مناطق لا تمحي ،مثلما أن شبكة علاقات السلطة لابد وأن تشكل نسيجا سميكا يخترق التراتبات الاجتماعية والوحدات الفردية. وما من شك أن التنظيم الاستراتيجي لهذه النقط هو الذي يجعل الثورة ممكنة مثلما أن الدولة تقوم على ضم علاقات السلطة في مؤسسات. ففي هذا المجال لعلائق القوى ينبغي لنا أن نحاول تحليل آليات السلطة. وبذلك نتحرر من نظام القانون الأعظم الذي طالما سحر الفكر السياسي. وإذاا صح أن ماكيافيل كان من القلائل الذين حاولوا أن يفهموا سلطة الأمير بدلالة علاقات القوة ،فربما وجب أن نتقدم ،على غراره، خطوة أخرى فنستغني عن شخص الأمير في فهم السلطة لنتقصى آليتها انطلاقا من استراتيجية محايثة لعلائق القوة

ميشيل فوكو



----------------


إضاءات


شلل التحليل :نوع من التحسب يمعن فى المآل والعواقب بأكثر من اللازم ما يعيق الفعل ويزعزع اتخاذ القرار


علائقي


Relationally


إنْ تَقْطَعِ الأيّامُ منك عَلائِقي, فأنَا المُواصِلُ بالودَادِ الصَّادِق. أرضَى من العهِد القديمِ بِرَعْيهِ, ومن الزيارة بالخيال الطارق


أسامة أبن منقذ


محايث


Immanent


والمقصود بالتحليل المحايث أن النص لا ينظر إليه إلا في ذاته مفصولا عن أي شيء يوجد خارجه. والمحايثة بهذا المعنى هي عزل النص والتخلص من كل السياقات المحيطة به. فالمعنى ينتجه نص مستقل بذاته ويمتلك دلالاته في انفصال عن أي شيء آخر ومع ذلك، فإن المحايثة لها أصول أخرى غير ما أثبتته البنيوية في تفاصيل تحاليلها. فالمحايثة هي ما هو معطى بشكل سابق على الفعل الإنساني وتمفصلاته، فهي، كما يشير إلى ذلك لالاند في قاموسه،مرتبطة بنشاطين : نشاط يحيل على كل ما هو موجود بشكل ثابت وقار عند كائن ما ( والأمر يتعلق برؤية ستاتيكية )، وآخر يحيل على ما يصدر عن كائن ما معبرا عن طبيعته الأصلية ( رؤية دينامية). وفي الحالتين معا نحن أمام مضامين سابقة في الوجود على الإنسان ومعطاة مع الطبيعة ذاتها. وفي هذا السياق فإن المحايثة هي رصد لعناصر لا تفرزها السيرورة الطبيعية لسلوك إنساني مدرج داخل الزمنية التريخية باعتبارها مدى يخبر عن المضامين وينوعها. المحايثة إذن تأكيد على أن الأفكار لا تسقط علينا من السماء كما يرغب المثاليون أن يجعلوننا نعتقد بل تأتينا من الأرض كما من الجسد في تفاعله مع التاريخ، فوحدها الأفكار التي تأتينا ونحن ماشون ذات قيمة على اعتبار أن عملية التفكير لا تحصل لوحدها ولذاتها بل تتوقف على سلطة من القوى وتستجيب لعدد من الضغوطات. مسرح الفكر إذن خارج ما دأبنا على تسميته بالذات أو الوعي فهو دوما موصول مباشرة بشيء "خارج " عنه un dehors ".ونحن لن نبدع مفاهيم إلا في ارتباط بهذا "الخارج"أي هذا الشيء الذي يستدعي الفكر ويحثه إلى مواكبة السير في تلك الدروب الموصدة، تلك الدروب التي لا تؤدي إلى أي مكان رغم أنها تؤدي إلى كل الأمكنة على اعتبار أنها مكمن تلك الفرادات les singularités التي على حد تعبير دولوز ما أن نحدد العلاقات ونفك ألغاز الروابط الكامنة ما بينها حتى نستخرج المفاهيم

Friday, March 18, 2011

شباب الشعب وثورته




عادل وسعاد في الحقيقة

سعاد: سوف أصوت بنعم
عادل: إلا تخشي من الإخوان؟ انك تختلفي مع توجههم وتعتقدي أن مفهومهم للسلطة غامض
سعاد: لقد كانت السلطة كلها بيد مبارك ونظامه وحزبه وسدنته ومؤسساته و كان مدعوم من قوى إقليمية وعالمية ماذا فعلت له في مواجهة إرادة الشعب؟
عادل: ولكن الثورة لا زالت في عنق الزجاجة ومن الممكن اختطافها
سعاد: الثورة التي تختطف ليست ثورة
عادل : أليس في هذا مغامرة
سعاد: الثورة مغامرة تفجرها طليعة ويشرعنها الشعب ، أرادها بعد إن كبله
نظام هجين، استخف به واستباحه وخدش مفهوم التسامح الذي يمثل أساس نسيج وجوده
عادل: والدستور والثورة المضادة والمخاطر على حدوده و من حوله
سعاد: المهم بعد أن أسقط الشعب النظام أن يمتلك قراره في ممارسة أرادته فيولي من يولي ويعزل من يشاء
عادل : نعم تلك هي السلطة التي انتزعها على عين العالم بدمائه ولن يفقدها جيل وراء جيل بأذن الله
سعاد : ولن تنتزعها منه فلول نظام ساقط أو فئة أو مؤسسة أو حزب أو طبقه
عادل وسعاد : لقد انتصف الشعب لنفسه بنفسه وقرر إن يقدم لمستقبل مصر والعالم شبابه وثورته

Wednesday, March 16, 2011

أم الدنيا بلسان أَعْجَميٌّ



منشور رقم 1
لقد قدم أبناء ثورة شباب الشعب منشورهم الاول أمس للعالم
في أول أختبار حقيقي للمصداقية والديمقراطية أيضا
هامش
كَلاَمٌ أَعْجَمِيٌّ ".
ع ج م]. (مَنْسوبٌ إلى العَجَمِ). "إِنَّهُ أَعْجَمِيٌّ" : مَنْ كانَ غَيْرَ عَرَبِيٍّ. ¨ "
عنوان جانبي

زيارة السيدة العجوز و مسرحية ما حث في حي الضاهر

Tuesday, March 08, 2011

نصوص تبحث عن أزمنتها




تعليق على مقال الكاتب بلال فضل
المنشور بالمصرى اليوم بتاريخ 8/مارس/2011

بعنوان الجيش هو الهدف القادم لأذناب نظام مبارك

http://www.almasryalyoum.com/node/342988


لكي نبعد عن الظنون المشروعة وغير المشروعة ولكي نغيب شبهة القداسة عن القوات المسلحة ونتعامل معها كمؤسسة لها احترامها وتقديرها فلنعود لنص كتب من كاتب ثقة ليك ولغيرك كثيرين وهو من أئمة المتحسبين الذين يقدرون خطورة ومسؤولية الكتابة وكان المقال عن دور القوات المسلحة في مارس 1996 قبل الثورة بخمسة عشر عاما
وأظنها فتره كافيه تغنينا من توجسات يفرضها الواقع الآني والنص أي نص يكون معاصرا ومواكبا بقدر قدرته على الاقتراب من جوهر الموضوع المثار وماهيته


"مقاطع طبق الأصل من نص المقال "القديم

هناك دائما حرج من الاقتراب من موضوع القوات المسلحة. لان التفكير فيها والحديث عنها ، يعنى أننا نتكلم عن قوة السلاح . والناس تريد أن يكون السلاح خارج المناقشات
وأي حديث عن القوات المسلحة يحمل مظنة إقحامها في الصراع السياسي ،سواء بالاستعداء أو بالمشاركة في القمع بشكل أو بآخر . بينما نحن في حاجة إلى ترسيخ للدور الأساسي للقوات المسلحة
،فهي ظاهرة جديدة في حياتنا السياسية ،فلم يكن لدينا قوات مسلحة في عصرنا الحديث إلا منذ وقع هذا النوع من الاستقلال الذى حصلنا عليه عام 1936.قبل ذلك عشنا في ظل جيوش غازية وانكشارية وعثمانيين... الخ
حتى جيش محمد على الذي قامت بقاياه بالثورة العرابية ، لم يكن جيشا حديثا بالمعنى المفهوم. منذ معاهد 1936 بدأ بناء القوات قوات مسلحة مصرية ، وبعد الثورة أصبح لدينا قوات مسلحة وهى خبرة جديدة
،وهناك دائما حيرة إزاءها وحولها . أنها أحد مؤسسات الدولة ، ودورها هو حماية الآمن القومي ، ولكن التعامل معها ليس له قواعد مستقرة بعد ، وهناك دائما حساسية شديدة في الاقتراب منها . من المؤكد أن القوات المسلحة هي قاعدة الحكم ، هذه حقيقة اليوم أكثر من أي وقت مضى . ففي ظل حركة شعبية قوية وواسعة لا تحتاج الدولة إلى ممارسة القوة من الداخل ، ولكن في طل انحسار الحركة الشعبية تحتاج الدول أكثر إلى أجهزنها وأدارتها بما فيها القوات المسلحة

وهناك خاصيتان في القوات المسلحة . من ناحية هى جزء من الشعب تعيش مشاكله وتحس بأحاسيسه . وهى من ناحية أخرى كمؤسسة تملك السلاح . هناك حالة من القلق ناتج عن إدراكها أنها قاعدة الحكم . وفى نفس الوقت هناك رغبة في إقصائها عنه . وتزداد حالة القلق هذه فى ظل غياب نظرية للأمن القومي

كان لنا في وقت سابق نظرية واضحة للأمن القومي ، قائمة على تصور مشروع عربي معين تمارس من خلاله دورك في الأمة وفى الإقليم الآن مفهوم الأمن القومي غير موجود . اليوم القوات المسلحة لديها السلاح من غير نظرية للأمن . وهذا يزيد المخاوف المشروعة من استخدام القوات المسلحة في الأمن الداخلي وليس من أجل الأمن القومي

واقع الأمر أن القوات المسلحة في كل بلاد الدنيا هي قاعدة الحكم . تبعد المسافة بين هذه القاعدة والطليعة بمقدار قوة العمل السياسي وتنكمش بمقدار ضعفه وضيقه
فسلطة الدولة تتمثل في الشرطة والقضاء . ثم في القوات المسلحة اذا عجزت بأدواتها الأخرى عن فرض سلطتها

القوات المسلحة –فى الأساس- هي أداة الدولة لفرض إرادتها في الخارج ووجودها في حد ذاته يغنى الدولة عن استخدامها فى الداخل . إلا فى حالة ضعف الدولة
. نحن ننسى ان فرنسا حدث فيها انقلاب عسكري عام 1958 أتى بديجول للحكم ، وجرت محاولة انقلابيه عليه بعد ذلك ولكنها لم تنجح

نتذكر مرة أخرى أن القوات المسلحة في النهاية أداة الإجبار في الدولة . والمسافة بين السلطة السياسية وقوة الإجبار الرئيسية تتسع كلما كان العمل السياسي قويا ويحتل مساحة واسعة . وتضيق كلما انكمش العمل السياسي ، ومن ثم يزداد اعتماد الدولة على القوات المسلحة

انتهى نص المقال
وبعد
بين تاريخ كتابة هذه الكلمات وما نحن فيه الآن هناك مساحة زمنية كبيرة ولكن ما جاء فيه من أفكار يشكل نوع من الأساس لرؤية لأنه مبنى على ارتباط وثيق بالتاريخ وبالواقع وعلى قاعدة جيدة ودقيقه من المعلومات
لن يكون عصي على المهتم تغطية فجوة المعلومات عن مؤسسة الجيش المصري مما هو موثوق ومتوفر من مراجع والأهم المراقبة المنتبهة لتحركات القوات المسلحة وقراراتها الآن في ظل ظرف تاريخي نادر لم يتحقق من قبل للشعب المصري وفي ظل ظروف نادرة إقليميا وعالميا بكل معنى الكلمة علي المستوى الاستراتجي وعلي المستوى التاريخي وعلى المستوى الإنساني
الثورة الحالية وصفت من الكاتب نفسه بأنها ثورة كاملة وإنها ستعبر بالشعب المصري إلى عالم الشعوب الحرة
ودور الجيش مهم ولكن الثورة هي أداة التغير الوحيدة الآن بالشعب وللشعب والجيش ككيان هو من الشعب ولكنه كمؤسسه يتخذ قرار فما هي مرجعية هذا القرار وهنا بمقدار استلهامه و اقترابه من روح الثورة سيكون قرار ا شعبيا وإذا كان الشعب يد الثورة فسيكون الجيش ظهر الثورة الحامي والتاريخ له أعين وأذان

مرجع المقال هو العدد الثالث والسبعون من مجلة اليسار مارس 1996 حوار مع هيكل
أجراه حسين عبد الرازق

Saturday, March 05, 2011

بنية الثورة المضادة 4

السدنة ونزعة الهروب من الحرية
من السابق للأوان رصد تأثير زلزال الثورة الاجتماعي ولكن هناك تداخلات زمنية بين إيقاع زمن الثورة السرمدي وزمن الناس الذي يسيرون به وجودهم وبين تلك الأزمنة المتداخلة مساحة من التأمل لاتبتعد كثيرا عن بنية الثورة المضادة ولكنها ترقب من خلالها الإيقاع
نعم تتوالى الوقائع وتكاد تصيب المتابع والمشاهد بما يشبه شلل التحليل فإذا كانت شرارة تونس بداية المشهد فهذا يقلص الرؤية، ولكن قد تكون الانتفاضة الأولي حاضرة ،الصدر العاري أمام الدبابة - الحجر أمام الرصاص هل هناك من يستطيع أن يتكلم عن الثورة ويزحزح من مخيلته احتلال العراق أو ما سبق الانتفاضة من إدراك حال عربدة العجز
هل الثورة نص تكتبه الشعوب؟
هناك حالة من حالات التصيد تأتي من سدنة الهروب من الحرية تستوجب انتباه
أسلوب حوار الروائي الكبير والمصري الأصيل علاء الأسواني مع رئيس الوزراء تلقفه البعض من حسني النية بحجة مقام الكبير والأدب و والبعض الآخر من الغيورين على مقام الفرعون وسدنته وأزلام سدنتة وهو حوار بين مواطن في دولة أصبح لها مرجعيتها الثورية وبقايا نظام بائد
تصادمت في هذا الحوار مرجعيتان واحدة تمثل الثورة و واحدة تنتمي لنظام بائد بكل شبكة بلاهته ومنها السلطة الأبوية سلطة كبير العائلة المصرية السلطة الأبوية وهي تصلح لشعب مهاود ولكن عندما تحيد عن دلالاتها المعنوية يجابهها الوعي الشعبي بمقولة إن كبر ابنك خويه وهي نصيحة للأب أليس كذلك هذا الشفيق لم يكن بابا مبارك لقد كان محلل الطلاق البائن
والخطاب هنا للسدنه وليس لحسني" النيه" ثم إن السلطة الأبوية ولى زمانها وبعد الثورة جوهر السلطة هو إن الشعب مصدر السلطات لقد لاكت الألسن تلك الكلمة كثيرا ولكن الثورة بتفكيكها للواقع لها خاصية إنزال الكلمات في منازلها ،
قدم علاء الأسواني نموذج للفلاح الفصيح الموقن بسقوط الفرعون والفرعنة والمنتبه لحيل السدنة و السدنة هم من يصنعون الفرعون فالفرعنة لها صناع وحرفين هم حقل الطغيان البكتيري ولهم سمات تدل عليهم مهما تنكروا بوجوه جديدة ولسان جديد جاءوا من اليمين أو جاءوا من الشمال ولكن يفضحهم التأمل في خطابهم فهو خطاب مقيد بمرجعية هاوية
وهو ما يتلبس خطاب الثورة المضادة ويتخلل بنيتها ولأنها بنية سائلة بمعنى أنها تتوسل توقي سقوط النظام كيفما اتفق ونظرا لان قوى التثبت بوجود النظام لاتمتلك ولا تستطيع أن تفك شفرة الثورة الزمنية لأنه ببساطة لايتوفر لمفجري الثورة أنفسهم ولكنه يرتبط بتفاعلات قد تكون تكونت ببطء منذ مئات السنين مما يجعل الثورة بتكوينها فعل ميتافزيقى على الحقيقة لا على المجاز ففيها قصم لكل جبار عنيد وفي اتونها يغير الناس ما في نفوسهم وفيها ترتفع الأقنعة ويتميز الخبيث من الطيب وفيها تعاد للقيم مرجعيتها وفيها تتشبث الهوية بينابيعها وهو ما نختصره بمعنى التطهير
وفي إدارة أزمة النظام أمام الثورة كانت المحاولات المستميتة لصياغة نوع من التهديد بداية من التخويف بخروج المساجين ولكنها اصطدمت بالمثل الشعبي يا ما في السجن مظاليم ، نعم هناك الكثير من المجرمين الجنائيين ولكن أيضا هناك وفي ظل النظام البائد الكثير من المظاليم على مختلف الأصعدة
وعندما سحب النظام منظومته للأمن الداخلي لم ينسحب ذلك في المجمل إلا عليه فهو جهاز شوهت عقيدته التأسيسية وأصبح جهاز لحماية النظام مما جعله جهاز تجريمي مجرم يعتدي علي كرامة المواطنين ويستبيح أعراضهم فبدا في السنوات الأخيرة وكأنه قوى احتلال لدرجة إن كثير من الضباط ورجال المباحث هربوا ليس استجابة لأوامر ولكنهم يختفون لما جنت أيديهم في حق المواطنين المكلفون بحمايتهم
ثم بالتلويح بالمخاطر الاقتصادية ولكن الكشف عن مئات المليارات المنهوبة والمسلوبة كان المقابل الذي تلقفه الوعي الثوري للشعب المصري
تم محاولات مستميتة لإبطاء الاستجابة لمطالب الشعب والذي اصطدم بحقيقة عدم وجود قوة على سطح الكون تستطيع إن تمنع الشعب المصري من صلاة الجمعة
لقد خلع شفيق بعد لقاء الحوار مع الأسواني وقبل مشهد التحرير الأسبوعي
وذهب رئيس الوزراء الجديد إلى ميدان التحرير ليستمع لتوجيهات السلطة الجديدة سلطة الشعب ليس مهم الاسم ولكن المهم هل يستطيع رئيس الوزراء الجديد إن يستمع بانتباه لحكمة الفلاح الفصيح والخباز الفصيح والمواطن الفصيح وما أكثرهم في مصر
والسؤال الملح الأن هل ثورة مصر تدور في الفلك المصري وحسب؟
وهل الثورة المضادة على الثورة المصرية محلية و حسب ؟
ماذا عن مدارات الثورة الإقليمية والعالمية؟



Tuesday, March 01, 2011

ترميم الأسئلة


لماذا تدق صحف بريطانيا طبول الحرب؟
ولهذا فمتابعة" المتروك" من الأخبار المبذولة والشأن الجاري بانتباه تساعد في جلي عدسات الرؤية ومشاهدة هامش-- تآكل--- البنيات المشكلة للخطاب السياسي الذي يغطي السلطات النافذة و المهيمنة علي ما يسمي الشرق الأوسط، فهذا -- التآكل -- ظاهرة كونية يتفاعل بوتيرة خارج تحكم أي قوى سياسية متوهمة على الساحة وهو لذلك كما الكسوف يحتاج إلى مناظير خاصة لرؤيته في الأفق، وبالمجمل هناك حراك تاريخي بدون أي عدسة نظرية ترصد أو تستفيد من صيرورته أو حتى تتوقي رياحه ،لهذا فمجرد الانتباه يشكل حضور ، في تلك المساحة بين الحضور والغياب،

بنية الثورة المضادة3




كلام لم يشهد الثورة

في الجزء الثاني من كتابه شخصية مصر
دراسة في عبقرية المكان
طبعة دار الهلال ص594
وبعد تحليله لشخصية مصر الإجتماعية
تحت عنوان سلم المسؤلية يقول د جمال حمدان

أين الحقيقة العلمية الآن في هذا كله؟
حسنا آفة مصر ابتداء , اثنتان الطغاة في الداخل والغزاة من الخارج,الديكتاتورية في الداخل والاستعمار من الخارج , هاتان هما نقطتا الضعف الأساسيتان في شخصية مصر, ولا نقول النقطتين السوداويين في الشخصية المصرية, وهما قد تبدوان للوهلة الأولى شيئين منفصلين, ولكن الحقيقة أنهما جانبان لشيء واحد, والعلاقة بينهما مباشرة هي علاقة السبب والنتيجة, فنحن كشعب نخضع بانتظام لحكامنا الطغاة, وحكامنا يركعون بسهولة للأجانب الغزاة

ومن جانبنا كموطنين, فقد درجنا تقليديا على أن نبرئ ساحتنا كشعب من مسئولية هذا الوقر المزدوج القاصم لظهورنا, بمقولة أننا ببساطة شعب مغلوب على أمره مفترى عليه , وأن الفاعل المباشر هو الطغيان والمجرم الأكبر هو الاستعمار, ومن جانبه, فإن الطغيان الداخلي بدوره يزيح المسؤولية عن كاهله مسارعا, بكل ترحيب, بإلقائها على عاتق الاستعمار الإثم...الخ

والاستعمار ولاشك آفة وأفعى , احتلال وطغيان معا فى أن واحد, إلا أنه ليس رأس الأفعى ولا الآفة الوحيدة, كما يروج بعض السطحيين ومنظري عملاء الطغيان, والحقيقة أننا أسرفنا على أنفسنا في اتخاذ الاستعمار –كمشجب- نعلق عليه كل مآسينا وعيوبنا, ومشاكلنا سياسية وغير سياسية, أولا لأنه هدف وطني –أو ضد- وطني—سهل مباشر مشروع لا شبهة في عدائه وعدوانيته , وثانيا لأننا لا نكاد نجسر على أن نعلق الجريمة والعقاب في رقبة الطغيان المحلى لأنه الحاكم المالك وظل الله في أرضه أرض مصر...الخ
وبهذا وبذاك اصطنعنا لأنفسنا سلما مريحا ومرضيا – ولكنه كما سنرى مقلوب رأسا على عقب – من المسئولية , قمته الاستعمار , وقاعه الشعب نفسه , يأتي بينهما – على استحياء أحيانا – الطغيان المحلى

غير إن الحقيقة التاريخية التي تثبتها مرارا وتكرارا تجربة ألفي سنة ومازالت مستمرة معنا حتى اليوم , الحقيقة التاريخية هي أن كبرى الآفتين ليست الاستعمار الأجنبي ولكن الطغيان المحلى , ذلك أن الذي مكن للأول غالبا , بل استدعاه واستعداه أحيانا أمنا هو الحكم الداخلي بعجزه عن حماية الوطن فعلا أو بخيانته له علنا ومساومته وتواطؤه مع المستعمر ليحفظ على نفسه عرشه أو مركزه , إن الذي أتاح للاستعمار الخارجي أن يدخل ويبقى في كثير من الحالات بصورة غير مباشرة دائما وبصورة مباشرة أحيانا هو الطغيان الداخلي وحده لا سواه , انه فى كثير من الأحيان ( وجه مصر القبيح ) في الخارج كما فى الداخل تذكر فقد الخديوي توفيق

ليس هذا فحسب , إنما الحقيقة بعد هذا أن مسئولية الطغيان الحاكم تتضاءل بدورها أمام مسئولية الشعب نفسه , الشعب – ولا أوهام في هذا – هو المسؤل الأول والأخير , الأصلي والأصيل , حتما وبالضرورة , فإذا كان الحكم في مصر مأساة أو ملهاة , كارثة أو مهزلة ، فان سببها الشعب وحده نظريا وعمليا , وكم كان الكواكبي صحيحا صادقا حين قال إن مبعث الاستبداد هو غفلة الأمة ,ومرفوض مرفوض هو المنطق الانهزامي المعكوس الذي يعتذر للشعب أو عنه بأنه مغلوب عل أمره لا قدرة له على الثورة ,مكبل أعزل من السلاح...الخ

فالطغيان لا يصنعه الطاغية , وإنما الشعب هو الذي يصنع الطاغية والطغيان معا , والشعب مسؤل عن الطغيان مسئولية الطاغية نفسه وزيادة ,المثل الشعبي المصري نفسه يقول – قال فرعون من الذي فرعنك ؟قال لم أجد من يمنعني – والمثل الانجليزي المعروف يقول – القوة المطلقة مفسدة , كل سلطة فهي مفسده
All power corrupts
ليست مفسدة فقط , بل مذهبة للعقل أيضا , ويمكن للحاكم من خلالها أحيانا أن يرى كل حق باطلا وكل باطل حقا , وفى كل شيء عكس ما كان يراه من قبل بغيرها—وهذا وذاك جميعا ما عناه الكواكبي بعبارته النافذة الثاقبة – الاستبداد أمر طبيعي في السلطان

ومن هذه الزاوية فان الشعب لا يعفى من اللوم , وليس له إلا أن يلوم نفسه أساسا , فهو الجاني مثلما هو المجني عليه,الفاعل والضحية , ظالم لنفسه كما هو مظلوم بحاكمه بل ولعل الأوضاع السيئة التي يتردى وإليها كل يوم أن تكون العقاب الطبيعي المستحق لتفريطه في حق نفسه وتهاونه في الدفاع عن حريته وكرامته وعزته وسيادته , فالحاكم الرديء الطاغية إنما هو عقاب تلقائي وذاتي لشعبه الذي سمح له بأن يكون ويبقى حاكما – وقديما كان قادة التتار والمغول من عتاة السفاحين والطغاة يتوعدون ضحاياهم بقولهم عن أنفسهم إنهم لعنة الله على الأرض أرسلهم نقمه وعقابا...

أي أن خير عقاب لمصر دائما على ما هي فيه , هو ما هي فيه بالفعل , وكأنها بهذا أيضا تعاقب نفسها بنفسها بانتظام , والحديث يقول –كما تكونوا بول عليكم— بينما يذهب القول الفرنسي المأثور إلى أن –لكل شعب الحكومة التي يستحقها
Les peoples ont les governments quils deservent

وأخيرا وليس آخرا – فقل لي من حاكمك, أقل لك من أنت—قل لي من الحاكم , أقل لك من الشعب

علينا إذن أن نعيد ترتيب أولويات المسئولية : الشعب أولا وكسبب أساسي , الحكم ثانيا وكسب مباشر ثم الاستعمار أخيرا كثالثة الأثافي فقط , أما وقد أصبح هذا الأخير على أية حال من حديث التاريخ , فإن السلم الثلاثي الدرجات يعود فيختزل إلى معادلة ذات حدين وطنيين: الشعب كقطب موجب والحكم كقطب سالب – وليس العكس – وبهذا تتحول القضية إلى مسألة داخلية, مسألة عائلية بحته , وبهذا أيضا يبدو الخطر الحقيقي على مصر وهو ينبع من داخلها , هو مصر نفسها , أكثر من الآخرين أو الغرباء , هو بطش وعجز الحاكم من جانب ورد فعل الشعب أو سلبيته من الجانب الآخر, هو قضية الدكتاتورية ضد الديمقراطية أو باختصار مشكلة نظام الحكم , وذلك هو التحدي الأعظم الذي كان الشعب المصري يواجهه دائما ليثبت نفسه ووجوده وسيادته

الديمقراطية هي الحضارة

والديكتاتورية على المستوى الفردي هي تعبير مباشر وضمني عن النقص , فالحاكم الذى يعانى لأمر ما من مركب نقص شخصي أو فكرى أو عملي ....الخ
يعوض عن هذا النقص بفرض إرادته ومشيئته بالبطش والقهر والتحكم والطغيان ليثبت لنفسه وللآخرين أنه – الرجل القوى لا –الرجل الضعيف— ولا الرجل الصغير—كما يشعر في قرارة نفسه

أما على المستوى الجماعي فإن أصل الاستبداد والديكتاتورية هو بلا ريب التخلف , التخلف الحضاري بعامة , فالديكتاتورية هي نتيجة للتخلف وعلامة عليه , مثلما هي سبب أو مضاعف له أيضا , وكل مجتمع استبدادي سياسيا هو حتما مجتمع متخلف , والمجتمع المتخلف هو لامفر مجتمع استبدادي سياسيا ذلك أن الاستبداد والطغيان من خصائص وطبيعة مرحلة البدائية والطفولة في كل المجتمعات السياسية , وبينما تتناسب الديمقراطية تناسبا طرديا مع درجة التقدم الحضاري , تتناسب الديكتاتورية تناسبا طرديا مع درجة التخلف الحضاري, إن الديمقراطية هي الحضارة والحضارة هي الديمقراطية , بمثل ما أن الديكتاتورية هى التخلف والتخلف هو الدكتاتورية , وما الديكتاتورية في وقتنا هذا إلا الصيغة العصرية من عبودية العصور القديمة , فالفرد والمجتمع تحتها عبد للحاكم في صورة مقنعة أو مبرقعة , مخففة أو ملطفة
والطغيان والديكتاتورية في مصر هي ببساطة بقايا الماضي الطويل المحزن من ناحية والنواتج الطبيعية أو الجانبية لحاضر التخلف من الناحية الأخرى , فإلى جانب ارث الماضي التعيس , يأتي التخلف الحضاري ومعه التخلف الثقافي والفكري فيحكم على الشعب بالتخلف السياسي , حقا قد تكون شعبا عريقا فى التاريخ , ولكنها فى السياسة – كما في الديموغرافيا- حدث فتى للغاية أو صبى يافع .. فلقد يكون المصري شيخ التاريخ وحكيم الحضارة , إلا أنه جديد على كل ما هو جديد في الحضارة العصرية , بما في ذلك السياسة المعاصرة , ولا نقول كما يريدنا البعض أن نقول أقدم شعب تاريخيا ولكنه ليس بشعب سياسيا

لذا فهو من حيث الوعي والنضج السياسي الحديث قد لا يعدو مرحلة الطفولة الجديدة ولا نقول –الطفولة الثانية أو المرحلة البدائية, ودعك تماما من النظرية المزعومة عن الشعب المريض تاريخيا , وهذا ما يفسر كثيرا من مظاهر الشذوذ ولاضطراب التي نلمسها في العلاقة بين الشعب والحاكم , ومن المسلم به أنه كلما زاد ولاء الشعب وخضوعه وإتباعه للحاكم , ظالما كان أو غير ذلك , على خطأ أو صواب , حتى بغير قهر أو بطش , كلما دل ذلك على عدم نضج الشعب وضعفه وسهولة انقياده ولين عريكته , فحجم الحاكم ونفوذه ودوره كلها تتناسب تناسبا عكسيا مع حمية الشعب وصلابته وقوته ومقاومته