Friday, June 20, 2008

ثلاثية الزمن والفعل والانتباه

حال
ضاق اللفظ، واتسع المعنى، وانخرق المراد، وتاه الوهم، وحار العقل، وغاب الشاهد في الغائب، وحضر الغائب في الشاهد، وتنكرت العين منظورا بها ومنظورا إليها ومنظورا فيها. فكيف يمكن البيان عن قصة هذا إشكالها؟ وأين الدواء، والعلة هذا إعضالها؟
أبو حيان التوحيدي


أ.ف.س تحت القبة

قراءة
العنوان
إذا كانت حروف العنوان الثلاث قد وزعت على مقاطع النص بأنصاف فى بنائية شديدة التماسك فإن _فيء القبة_ بكل دلالات الأسم بين القداسة والدناسة قد أورف للمعنى غابات من الظلال اجتازها سهم المعنى للراوي كالضوء الخاطف وكأنه اشارة بكلتا اليدين الى المبنى مخترقا القبة ليشكل دائرة من الإضاءة على تلك البقعة داخل القبة الكهنوتية التى يتصدرها كاهن ملغز الابتسامة, نعم في نص شديد التماسك ينقب الراوي فى كنه هذة الكائنات التى تحولت فى ظرف تاريخى طارئ بوعي غير ملتبس من أدوات لنظام طارئ الى سدنة وعلامة له وعليه، يبدأ العنوان بهذه الحروف الثلاث التى تسبق القبة وكأنه يطوي الزمان لناقش فرعونى يبدأ الدقة الأولى أو الضربة الأولى على حائط المعبد، ليسجل الحروف الاولى لأسطورة الكاهن
هامش داخلى
الكل يعلم أن القبة ليس تحتها شيخ، وإن لم يكونوا جميعا دفنينه سوا
ففى عهد/عهدت م.ح. طوارئ
لابد من طي الزمن للخروج من تلك الصورة الكاريكاتورية، التى تحجب الأفق وتخلط الجد بالهزل لتعبدالطريق للحواه لتمرير حيلهم الركيكة على الجمهور المطحون فى ظل صخب وعجاج سياسي عالي الصوت عاجز الفعل مبتورالوسيلة ما يوطئ للفاعل السياسى داخل النظام أن ينفصل عن أفق خطابه نفسه فى فعله المباشربدأ من السلطة التشريعية متنزلا على السلطة التنفذية والعكس وبتراكم تلك التجاوزت بدت وكأنها تصدر من قوة غيبية- تستخفنا- و لا ترينا الا ما ترى- غدت فيها سياسة الدولة الداخلية هامش لجهاز النظام الأمني و السياسة الخارجية أضحت موكله لجهاز مخابرات النظام جهارا نهاراوأصبح أسم رئيسه ينافس أسماء نجوم الغناء في الإعلام
أنتهى الهامش

النص

الزمن
ينتقل الراوي من العنوان المتشابك مع النص تشابك الأصابع فى راحة اليد، انتقال لم يفصله كشاهد يروى الحدث فتوحد مع الأسم وقام بعملية تلبيس توحي بمدى تعتق هذا النص واعتماله داخل وجدان راويه، و رغم كل هذه الاحتياطات والمتاريس فى السطر الأول لبداية الحكي التي تبدوا وكأنها محاولة مستميتة لإخراج الحدث من مولد النسيان والانتباه له كعلامة خارج الثقب الأسودالذى يحيط بفضاءالحراك السياسى ويبتلع تراكماته ، الا أن تفاعل الراوي مع الحدث صبغ الحكى بنوع غامض من الحزن غير محدد الوجهة1،
الجملة الأولى ذات التسع كلمات كانت مفتاح السرد وباب الدخول لعالم أحمد ومخاوفه" كل ما كان يحيط بأحمد كان يمثل أعمق مخاوفه " والكلمة الثالثة على وجه التحديد فى هذه الجملة كانت عتبة المرور فهى لم تموضع زمن الحكي فيما " كان" وحسب ، ولكنها ألقت بكل ما لها من تاريخ دلالي فى عالم الحكي الشفاهي ففعلت أصغاء المتلقي
يقول الراوي
كل ما كان يحيط بأحمد كان يمثل أعمق مخاوفه، تلك التي حاول أن ينساها و يتجاهل الاحتمال المجرد أنها يمكن أن توجد في عالمه؛
لمن الصوت؟*
من أحمد هنا ؟ ماذا كان يحيط به ؟ وما هى مخاوفه تلك المستعصية على النسيان المستوجبه للتجاهل؟ ولأى عالم ينتسب ؟هل هو ذلك الناشط التدوينى الذى يهتم وينقب فى قضية الحرية2 والمهموم بمآلتها والمسكون بهواها كما يتبدى في جل نصوصه التدوينية ومداخلاته وتعليقاته
أم هو لمنتسب/محتسب حرف الألف الذى يسبق القبة ويقبع تحتها ذلك السادن المنتشى بسدانته فها هنا أحمدان يتعوران المعنى، يعلق الحاكي المعنى هنا على بندول السرد مواصلا

النداء على أسماء النواب ليدلوا بأصواتهم؛ الصندوق الزجاجي الذي يُمرر عليهم؛ أن يقوم نائب ليسجل اعتراضه على آلية انتخاب الرئيس دون أن يزجره رئيس المجلس أو يقذفه بحجر ككلب ضل سبيله أو حمار أوصله تنطعه إلى فيء القبة
.
يتزحزح الراوي ليمهد لعالم أحمد االسادن محركا المبنى الى ساحة التجريد منزويا رويدا رويدا ليتيح لهذا المشد الروتينى لتجاوز أخر من تجاوزات السلطة أن يتدحرج تحت بقعة ضوئه الكاشفه وكأنه يسجلها لزمن قادم مقسما المشهد ومعددا الأشياء وراصدا الأجراءات
أسماء النواب
الصندوق الزجاجى
ردود الأفعال
ولكن تبدوا كلمة رئيس المجلس وكأنها ؛حاجز بين الأحمدان داخل القبة وخارجها

يبدأ الراوي الحركة /المقطع الثاني من النص بالحرف الثانى من العنوان (الأسم) وتبدو عملية تفكيك وتركيب الحروف وكأنها تنادى بين صوت وصدى بين الألف المزدوج والفاء المتوحدة فى عملية يبدوفيها كمثال تشكيلى يقوم بتفكيك- الخردة- ليعيد صياغتها لعمل لم يكتمل داخله، يقوم الحاكي فيها باختراق قلب النظام فى لحظة تاريخية أهله اهتمامه وهمه بها من اعتقالها، فمنولوج فتحى الداخلى يبدوا متوحدا منسجما مع قناعاته ومخاوفه داخل عالمه كسادن حريص على الهيكل الكهنوتي من الاهتزاز متحسبا بشدة لأي ثغره ينفذ منها طوفان مرصود منذ أمد لا يخفى على كاهن يدرك بوعي أسطورة السيطرة المصنوعة للنظام فهو من صانعيها ومسكون بهواجسها
يعدد الراوي ويرسم سمات فتحي ممهدا لتوصيف الصراع الذى يعتمل داخله ففتحي هادىء رابط الجأش يملك زمام نقسه في أصعب اللحظات خليط بين محترف النصب ومحترف القمار،
هامش داخلى
فى " ضربة معلم" يقدم عاطف الطيب شخصية محامي القاتل الشاب
كرجل قانون موهوب يمارس عمله خارج قيود القيمة والعرف
انتهي الهامش

الفعل
في اللحظات التي كان عليه فيها أن يلعب الثلاث ورقات أمام ملايين الناس و هو يقفز بقدم واحدة على الصراط، أو أن يبرر و يمرر بكل أريحيةٍ قرارات و قوانين لا يوجد من يفوقه معرفة بقدر فسادها؛ وضع على وجهه الابتسامة الأكثر غموضا في العالم، الابتسامة التي حيّرت الملايين على مر عقود، و التي لا يعرف أحد إن كانت بسبب فسيولوجي أم أنها بفعل إرادي،
فتحي يبدو متوحدا مع رمزه حرفه صوته حتى هذا المقطع الأخير من المقطع الثاني ليعود للصوت الصدى المعاكس ليعلو صوت الراوي مرة أخرى ويحجب أثر الحرف
و جلس كامنا يراقب أفظع سيناريوهات رعبه يتحقق أمامه.
يوظف الراوي فى هذا المقطع التداخل بين المطورئ والمتطورئ
فمن الجالس ؟ واين ؟ داخل القبة أم خارجها ؟ صوت الراوى أم صوت السادن؟
هامش داخلى
لغة الراوي تستحق الانتباه رغم تقيدها بالدقة والضبط ألا أنها لم تكن حائل بين انطلاق الراوي في عالم الحكي وإن لم يكن هذا غريب بالنظر إلى محتوى الأرشيف التدوينى 3 للراوي أو ما يتعلق فى هذا المحتوى بتأملاته فى رحلاته على سبيل المثال كاترينة راجع الجزء المترجم من رسالته لصديقته في بداية النص أو أن شئت فنهاية ذات النص
انتهى الهامش

الانتباه

بين لحظتين يقدم الراوى فى الحرف/المقطع الأخير قطعة نثرية متعددة الأسطح كبلورة مخروطية التشكيل يختلط فيها صوت الراوى وفعل السادن وصدى الصوت وأثر الفعل يتجاور ويترابط فيها المحلي بالأقليمي الذاتي بالموضوعي في فوضى نثرية منظومه بأبداع
في اللحظة التي انتهى فيها عد الأصوات، و بالرغم من الهزة العميقة التي سرت في وجدانه كزلزال يوم الدينونة و هو يشعر بعالمه يكاد يتداعى من حوله مطبقا عليه، ككاهن يرى آلهته وكتبه تؤول إلى عدم، أو فيزيائي يدرك في لحظةِ كشفٍ كثيفة أن المنظومة التي بنى عليها فهمه للكون هي سراب لا يمت للحقيقة بصلة؛ في تلك اللحظة التي بدت له ضبابية كأنما تنعكس على مرآة قديمة، المرآة في قاع بحيرة، البحيرة يغشاها ضباب
هامش داخلى
أن الوجدان تحديدا هو المستهدف في هذا الحادث فهناك من كان يعتقد أن التطبيع هوسياسة تتجه للخارج وكان يرصدها هناك ولكن فلسفة " التطويع " التى لها تراكمتها داخل جهاز إدارة الدولة منذ العهد الفرعوني بصرف النظر عن نوع الحكم القائم فيها، سرعان مااستبدلت الباء بالواو بحكم بنية السلطة في تكوين الدولة، وعلى اية حال فتأثر الوجدان يتوقف على اهمية و"هم" الشأن الذى يستولى على اهتمامه و" انتباهه"، فقد ينتحر أو يحاول الانتحار مواطن أو مواطنه بسب وفات مطربه أو مطربها المفضل ، وقد يرتكب مواطن حماقة بسب خسارة فريقه فى لعبة كرة القدم وبالنسبة للراوى فقد كان يرصد زمن الطوارئ بالدقائق والساعات
(
ربع قرن طوارئ)

انتهى الهامش

ينهي الراوي ثلاثيته بهامش إيضاحى يلائم رغبته فى محاصرة تأويل المعنى فى حقله السياسى وتحريره من عالم الحكى فى آن
اللحظة التي
نطق فيها رئيس المجلس باسم الرئيس الجديد المنتخب، أدهش سرور جميع مراقبيه - بمن فيهم نفسه - بقدرته على السيطرة و منع نفسه من الصراخ كمن يفزع من كابوس: "مبارك…موافقون…مبارك…موافقة"، محققا بذلك أسطورته الذاتية قبل أن يعود ليمدد لسنتين أخريين كابوس الملايين.

فبين المجلس النيابى فى لبنان ومجلس الشعب فى مصر حالة
تزامنية تجلي فيها فائض الحراك السياسي غير المتكافئ عكست على مرآة بحيرة الراوى شجون تداعت فكان هذا النص المتجاوز .

ألف
تحية على هذا النص الشفيف
------------------------------------
الهامش
1-
المرارة الساخرة التى تلبست الحكى لها ما يبررها فعندما تتوالى و تتراكم الاحداث وتفيض مغرقة محاولات النسيان والتجاهل تكتنف الشهادة نبرة من الاعتذار عن
المشاهدة نفسها
يصبح فيها مجرد الوجود شاهدا، مسوغا للأسى والاعتذار ، يطوي فيها الزمن كلمات عبد الغنى النابلسى
وجودك ذنب لايقاس به ذنب
فى احالة نادرة على عالم الحوادث فى كل هذه المشاهد المحلية والأقليمية والعالمية
راجع أيضا فى ذلك صلاح عبد الصبور،المشهد الأخير من مسافر ليل
عندما تبين من الذي سرق بطاقة الله الشخصية
*
وَاصْغِ لِرَجْع الصَّوْتِ، عِنْدَ انْقِطَاعِهِ
إلَیكَ بِأكْنَاف القُصُورِ المَشِيدَةِ
أَهلَ كَانَ مَنْ نَاجَاكَ، ثَمَّ سِوَاكَ أَمْ
سَمِعْتَ خِطَابَاً عَنْ صَدَاكَ المُصَوِّتِ
أبن الفارض التائية الكبرى
2-
انظر تدوينات
ضريبة الحرية: جدال مفتوح
عن الحرية
179
الأسوأ لم يأتِ بعد
3-
راجع تدوينات
اللغة في مجتمع المعرفة
رسالة: لغتنا العربية
الحرف العربي
حالة التعريب