Wednesday, February 24, 2016

الشعب وما أدرانا ما الشعب ؟



الشعب كيان متخطي النوع والفصل والجنس والطبقة والعقيدة، وأنه كتوصيف مادي أساسه "الوجود معاً بصحبة الآخرين" وأنه كقرار وإرادة ليس مع أو ضدالآخرين بل هو قرار من أجل أو ضد ذاتنا والانتماء فيه هوشكل من أشكال الاجابة فى مواجهة التاريخ، وهو بهذا مسؤولية فى مواجهة المصيرالعميق لوجودنا فى التاريخ ووجودنا هنا في هذه اللحظة. 
......
الشعب هو السيد ومرجعيته هى إرادته كما أملاها الحدث بدماء الشهداء استحقاقات معلنه فى ميادينه على العالمين : اسقاط النظام __ القصاص __ عيش __ حرية __ عدالة أجتماعية .
الشعب ليس حزب وليس جماعه أو نظام... الشعب إرادة تتحق فى التاريخ لأمه أصيله ذات حضاره ،وترى مالايراه الناظرون بعيون الوقت ومازال الترقب يكتم الانفاس وما زال هذا الكيان الملحمي لفعل الشعب الذي سكن الوجدان وأملى على الزمان إرادته وعكف يزيح عن كاهله تاريخ ثقيل من الاستبداد ويمزق قيود مفتوله ومعقوده منذ ما يزيد عن نصف قرن تخلص فعلا من بعضها فى زمن قياسى وبألاف الشهداء والصراع مازال فى بدايته
ولطلما كان لهذا الشعب مع الخلود نقش وعلامة ، فمنذ أن تكون فى ضمير العالم معنى للحضارة على هذه الأرض ، نحت ملامح قدرته وصنع للتاريخ عجائب تسد عين الزمن وتظله بظل من عجب يصحبه كلما أستجد في التاريخ منهج وأستقر ما أستقر له نظام ، ترجل التاريخ فى ميدان التحريرو تمليناه مع العالم ولمح كل منا ملامحا منه، وإذن للناس أنهم ظلموا وهيىء الشعب للتاريخ متكىء وأنزله منازله على قدرة شعب أراد .
وحدث الخامس والعشرين من يناير يحمل فى تلافيفه هذا اليقين من قدرة صوت الشعب على التجلي على الحضور وقدرته على الإدهاش ، إدهاشنا من أنفسنا بداية وما نحمله من إرادة . من قدرتنا على صنع التاريخ وقدرتنا على الانتصاف من الزمن قدرتنا على مواجهة العجزالمحبوك بحبائل القوى المهيمنة والمستوطن بفساد الفاسدين وعمالة الساقطين لتيئيس الناس وتكبيل القدرة على الوجود الفاعل والحر.
نعم عمر الشعوب لا يؤرخ بآجال أجياله ولكن كل جيل ينقش على صفحة الزمان بصمته بمقدار ما يستطيع أن ينحت على جدارنه فماذا قدم هذا الجيل ليستحق أن يطبع بصمته على هذا الزمان؟ والنقش على جدران التاريخ ليس إبداعا وحسب ولكنه كفاح حقيقى مخضب بالدم مصداقيته هى الاستعداد التام والدائم والتسابق المخلص على الفوز بالعطاء والصمود في الصراع .ماذا يأخذ على هذا الجيل ما له وما عليه ماذا صنعتم به؟ وماذا صنع بكم؟
هناك محاولات لتصنيف هذا الجيل وشبابه الذي داهم الدنيا وخرج على شاشات العالم ليعلن إرادته للحياة. هذا الجيل حقيقة عبرت عن نفسها بطريقة فريدة على جناح إرادة هذا الشعب الذي يتململ فى التاريخ طوال ما يزيد عن مائة عام من الأزمة، أزمة وجود في ومع العالم
،وكما أن هناك نظريات تعيد صياغة التاريخ فهناك أجيال تستعيد جوهر الوجود بمعانيه الأصيلة في سياق معاصر، وهى عملية تحويل وخلق لا عملية ترجمة ومحاكاه.
وبعيدا عن الخوض فى كنه شفرة ثورة هذا الشعب المستعصية في ذاتها والتخمين في مواقيتها التى لا تملك أى قوى على ظهر هذه الأرض جدول زمني تسيرها عليه فلنتسائل : ما هو بالضبط الذي أسقط بنية الفرعنة؟ تلك الأفة التى تلبست نظام الحكم فى مصر منذ آلاف السنين ومن أثارها آيات تتلى ويتعبد بها المسلمين وتراتيل تلقى يتعبد بها المسيحين وسياط تسلط يتلاقها الجميع... ما الذى هدم عرش الفرعنة ؟ هذا حدث تاريخي لا مثيل له منذ أن وحد مينا القطرين ،حدث أيقن ميدان التحرير وطاول به قامة الأهرام على غير سخرة . من النملة أو دابة الإرض التى عكفت بدأب على قرض عصى سليمان فإذا هو يخر منبطحا، في فعل تاريخي جعل هامان وجنوده يتخبطون وإلى الآن يحاولون عبور بحر الشعب الذى شقته لهم عصا الثورة ويتهيبون أن يبتلعهم.
ماذا أراد الشعب المصري عندما حبس أنفاس العالم في يناير ؟ وماذا وفي نفس الميعاد؟ ما الذى يميز هذا التوقيت ومن الذي فرض هذا اليوم بالذات ليكون عنوانا لثورة الشعب المصري؟ هل لإنه يوم وضع حداوقطيعة وأصبح له ما بعده ؟ فماذا حدث فيه؟ وماذا حدث بعده؟ لايزال هذا السؤال يطفو فوق إرادة الفعل لشعب له مع التاريخ حق وله مع الجغرفيا موقع يستحيل تجاهله
أن المتأمل فى الفعل الثوري بجوهره الشعبى المافوق السياسي يستطيع أن يرى بوضوح يدالشعب من فوق جميع القوى السياسية الظاهرة والخفية وهى تمتد وتلتقف الحدث تلقف الكرة بيد الشرعية المحكمة وتنصب فخ السلطه عدسه مكبره لتكشف الكل ويرتفع الحجاب عن كل. مدعي وطامع وطامح وانتهازي وجاهل وساذج ومتذاكى وعميل حتى يصفي الشعب و يصطفي على بينة ورشاد ويقيم الحجه بعد أعطاء الفرصة والمهلة ويورط الجميع بعد أن راكم ثورته فى طبقات الوعي الجمعي للأمه ...وبعد أن إمتلك الشعب عن جداره وفى غفلة من المهرولين الى السلطه القدرة على رفض ما يجمع على رفضه ، وأتقن بكل أقتدار وحرفية الوسيلة لخلع من يحاول قمعه ، وفصل بين السلطة والشرعية التى ارتهنها بشرط رؤيته لفجر مستقبله المستحق لمن يدفع بالتى هى أحسن صكوك الإستحقاق الثوري وأولها القصاص لشهداء الثورة واستعادةحقوق الشعب بيد الشرعية الثورية وبيبنى باليد الأخرى مؤسسات "الشعب" وعلى عينه للثورة أهرامات المستقبل من عيش وحرية وعدالة أجتماعية.
لقد أمن الحدث ولا يزال خلع الفرعون بتطريم أنيابه ، ثم تقليم مخالب أوتاده وترك هيكل دولته رهين بقبضته فوق رأس سدنته وفلوله ليستحيل على أى قوة صناعة بنية أستبداد فى المدي المنظور وحتى تتحق إرادة أعلنها على العلم بأسقاط النظام لا ترميمه .
وها هى الآن نفس الإرادة تختبر كل من يقول "أنا لها " فالحدث الثوري لم يكون لمجرد انصاف مظلوم من ظالم ولا لينقذ ضحية من جلاد الحدث كسرجبروت الظالم وفي نفس الوقت استهجن عجزالمظلوم ، قهر الجلاد واستنكر أستكانة الضحية فلا يوجد فى هذا الحدث ثوار يقودون وشعب يقاد ، فالشعب هو الثائر والشهداء هم الثوار وكما يختبر الحدث معارضة المخلوع بين الإدعاء والقدرة ، يختبر هذا الجيل من الشباب الذي يزعم أنه على نهجه والقادر على تنفيذ استحقاقاته المعلنه
الثورة آيه كونية ومعجزه خص الله بها الشعوب المظلومة الثورة ليست خبط عشوائى ينتظر أن يتفضل القدر بمصيبه أو يخطىء نظام على غير كفائه "فيهيج الناس " الثورة بإردة الشعب ودم الشهداء قدمت رؤية واضحة فى كلمات معدودة صاغتها حناجر الناس استحقاقات بصوت جاهر ومبين وغير متلعثم على العالمين والعالم كله سمع ووعى وشاهد ورأى وكانت رؤية مصدقه جامعه شرط بها الشعب زمام الشرعية لمن يتصدى للفعل السياسي وهى بذاتها برنامج الثورة و بمقدار الأنحراف عن الإستحقاقات التى كتبت بالدماء فإن أى حبر يراق حتما سيكون هباء ليس هناك أوضح من ثورة وهل كانت الثورة الا تراكم فى قلوب الناس وضميرهم
أنظروا ماذا فعلتم لمن أستشهدوا لتعيشوا أحرار ومن فقد أعضائه لتسلموا ومن فقد أحبابه لتطمئنوا ستعلموا ماذا ستفعلون بأنفسكم وبأولادكم وبمستقبلكم وكيف سيكون مآلكم .
وكما أملى هذا الشعب على العالم أسقاط الفرعون العميل سيملى أيضا على العالم والقوى المهيمنة فيه إرادته غير منقوصه وسيبتلى من أجياله ومن أبنائه ويصطفى من أكفائه من يحقق شروط التمكين لما إراد كامل غير منقوص وعندها فقد ستنفجر فى هذا الشعب براكين العطاء ،ومن صبر على ذل الفرعنه حتى التمكين صبراً جميل طاول قهر الزمن وأستبداد المستبدين ليس أهون عليه أن يمهل ولاينبغي له أن يهمل من إدعى القدرة من المدعين حتى حين
،وكما أن الثورات لاتتأتى بالتمني فهى عندما تكون هكذا حقيقة شعبية تكون هى بذاتها قدرة الحق وجوهر العدل وبداهة الحرية وهي أيضا السلطان المنصور الذى وعد الله به فى آخر عهد للبشر بكلمة من السماء لمن ظُلم فالشعب ولى الأمه وله السلطان وهو ليس متعجل من أمره وفي رباط من يقينه وعلى أنقى بصيرة وهو سيد زمانه عاكف وعازم وقادر أن يستولد الحق من أضلع المستحيل

انتصر الشعب فلا تستعجلوه

Sunday, February 07, 2016

نص في أصل الطغيان



كتلة الشعب

رغم كل التناقضات الداخلية بين قطاعات الطبقة الحاكمة (ربما أيضا بفضلها). فلقد كانت تمثل فى نهاية الأمرجبهة موحدة إذاء الكتلة المناقضة المضادة وهى كتلة المحكومين وجسم الشعب خاصة طبقة الفلاحين ، فالانقسام الطبقى الأساسى  والتناقض الجذرى فى المجتمع إنما هو الذى وقع بين الحاكم والمحكوم ،اي بين الطبقة الحاكمة وبين سواد المحكومين وسوادهم الفلاحين ، ودور النظام العضوى ودورته الدموية الحيوية هى جوهرياً تحول فائض العمل من الطبقة الأخيرة الى الطبقة الأولى ، وليس فى المجتمع حقيقة سوى طبقتين : الحاكم والمحكوم ،دون أى طبقة وسطى تستحق الذكر أو تخفف من حدة الانحدار والتناقض بين القطبين المتنافرين .
طبقة التجار  مثلا كانت دائما ضامرة ضعيفة، بل كان التاجر غالبا "موظفا" آخر في جهاز الدولة المركزية الاحتكارية ، كذلك كانت أهم الورش والترسانات الصناعية  والحرفية ملكا للدولة ، وعلى الجملة كان وزن التجارة والصناعة محدودا وقوتهما الاجتماعية ضعيفة نسبياً ، ولهذا لم تتبلور طبقة وسطى صلبة أو جديرة فى المجتمع المصرى عموما طوال الفرعونية

بهذا بقى الطغيان الاوتقراطى محض رأسمالية دولة بلابرجوازية ،بينما تحول استقطاب الطبقات الاجتماعى الى استقطاب سياسي فى الدرجة الأولى ، فكانت ثنائية الطبقة التى تملك والطبقة التى لاتملك هى دائما ثنائية الحاكم والمحكوم ، الدولة بموظفيها هى أساسا الطبقة المستغلة فى جانب ،والفلاحون بكتلتهم هم الطبقة المستغلة أساسا في الجانب الآخر .

بعبارة أخرى ، كانت مصر تقليديا تنقسم أساسا ما بين فراعنة وفلاحين ، وبقدر قوة وقسوة وثراء ونفوذ الطبقة الاولى ، بقدر انسحاق وفقر وتبعية الطبقة الثانية ، والخلاصة النهائية أن المجتمع كان ينقسم تقليديا الى اقلية تملك ولاتعمل وأغلبية تعمل ولاتملك، الذين يملكون والذين يُملكون ، وفى النتيجة تدهورت الفرعونية الى دولة بولسية تحمى الاقطاع وحكم الملاك وتجعل الفلاحين فيه أشبع "بعبيد الأرض"

وكما يقول أوفرير ، فإن المعابد الضخمة تشير الى قوة كهنتها ، والمقابر الهائلة إلى سطوة فراعنتها ، وليس هناك سوى الملكيات المطلقة –بضرائبها والسخرة – تستطيع بناء آثار كالأهرام \ 1\ .. والواقع أن الأهرام – وهى عقيمة اقتصاديا – ليست في رأى البعض إلا نصبا تذكارياً هائلا للطغيان \2\، ولاترمز كما ترمز الى البناء "الهرمى " للمجتمع ، وسواء صح هذا أم لم يصح – البعض الآخر يراها علامة حب روحى مرتبط بالدين وأن الاستعباد لايمكن أن ينتج مثل هذا الاتقان ، بينما يرى البعض الآخر فيها نفس المغزى الرمزى للكاتدرائيات الكبرى فى العصور الوسطى باروبا المسيحية \3\ فان الفارق بين عظمة وخلود الآثار وبؤس وزوال المساكن العادية في مصر القديمة ليس إلا وظيفة للطغيان الفرعوني ودالة عليه

وكما كان الاستغلال المطبق هو القاعدة الأصولية ، كان الاستبداد المطلق هو "الأمراليومي " فلقد كانت السخرة والكرباج والتعذيب من وسائل الارهاب منذ الفراعنة \4\وحتى العثمانيين ، وكانت تتدرج على كل المستويات ابتداء من الحاكم خلال الباشا والعمدة حتى الغفير النظامى "\5\ وكما يقرر ماسبرو ، كانت العصا هى التى بنت الاهرامات وشقت القنوات وأحرزت الانتصارات الحربية ...إلخ ، ولذا دخلت تماما فى الحياة اليومية للناس ، يقول نص مثل فرعونى   "" للانسان ظهر ،وهو ينصاع فقط حين يضرب \6\  وفى نص آخر لكاهن من القرن العشرين  ق.م أنه "كل يوم يستيقظ الرجال فى الصباح لكى يعانوا ...وليس للفقير قوة تنقذه ممن يفوقه ..تمر المصائب اليوم ،ولكن أحزان الغد ليست ماضية بعد "
.

تلك إذن طفيليات بشرية قديمة أزمنت فى كيان المجتمع المصرى ، مثلما أزمنت الطفليات العضوية فى ايكولوجية بيئة الرى ، وكما امتصت هذه الأخيرة دم الفلاح وحيويته ، امتصت تلك منه روحه والمادة ،ولذلك فإذا كانت مصر اللااقطاعية لم تعرف نظام الاقنان ، فقد كانت السخرة بصورتها تلك هى البدبل الموضوعى ، أى أن مصر والمصريين لم يفلتوا من وصمة العبودية الشخصية الفردية الا بثمن فادح أيضا هو العبودية المعممة وغير الشخصية.
ولئن كانت مصر القديمة لم تعرف نظام الكاست ،فلقد عرفت طبقية صارمة جامدة تضعف فيها الحركة الاجتماعية كثيراً

 ومع ذلك فان من حسن الحظ أن الطبيعة كثيراً ما كانت تتدخل لتصفى الاقطاع مؤقتا وتفرض عنصرا من المرونة الاجتماعية ، فكثيراً ما أثبت النيل الطائش طبيعياً أنه فى الحقيقة النيل النبيل اجتماعيا : فلقد كانت المجاعات والاوبئة التى تترب على جموحه أو جنوحه كثيراً ما يستتبعها اعادة توزيع قومية للثروة تحول الفقراء الى أغنياء ، ويضع عبد اللطيف البغدادي أيدينا على هذه الظاهرة التى تواترتكثيراً مع المجاعات الدورية ، فيذكر التفاصيل الغريبة للأغنياء الجدد الذين ظهروا من البروليتاريا بعد المجاعات بطريقة  غامضة فجائية ، وكيف كان "موتان " الناس بالجملة يترك الثروات والعقارات مهجورة خاوية تبحث عن أى مالك أو محتل أو واضع يد جديد ...الخ \7\


جمال حمدان
شخصية مصر الجزء الثاني
الفصل الثانى والعشرون
أصل الطغيان
كتلة الشعب  ص 562 /-563/-564/-565

هامش المراجع

1- Leon Aufrere, “Paysagge sppirituel etc. “,loc. Cit..P. 452-3,
2- محمد فهمى لهيطه ,علم الاقتصاد للمصريين :1939 القاهرة
 ص 266

3- حسين فوزى ، سندباد مصرى ، ص
286

4-Eeman ,P. 129,445.
5-A Mort ,\Le Nil  et lacivlization egyptienne , 1926

6- Maspero, Life in ancient Egypt& Assyria,p.7.


7-Abdollaatiphi historia  Aegypti . Oxford . 1800 . P. 260 ff. Lane Poole. P. 215-6.