Thursday, October 20, 2011

محاولة للقراءة فى الثورة كنص يكتبه الشعب





الفتنة الناعمة وصناعة الخوف
والخوف ده شىء معروف بيفرعن الحلوف

رزق الملوك الخوف من غيره يندثروا

رزق الملوك بقشيش من خوفنا شعب وجيش
تميم البرغوثي


حتي لا تبهت شعلتها في القلوب2

إذا ما تدافع عليها الفلول


إن خلق حالة من الاعتياد على تجاوزات المجلس العسكري ثم اللجوء إلى قانونه العسكري بغرض تجنب الوقوع في الفتنة وانهيار الدولة والصدام مع الجيش هو فى حد ذاته فتنة ناعمة يفتنوننا بها ونفتن بها نحن أنفسنا، وهذا هو القانون غير المكتوب بين الفرعون ومفرعنيه. فمن منا لم يكن يعرف عن المخلوع ونظامه ما يعرفه الأن؟ ولكنه الصمت والعجز يتبادلان الأدوارمتنكران في ثوب الحكمة واقعان تحت صنمين من خوف أحدهما وهم سقوط الدولة والثاني وهم الاصطدام بالجيش. ولكن هل كان لنظام المخلوع دولة ذات مؤسسات أصلا؟ إن شهادات معظم الضالعين فى تأسيس هذه الدولة ومنذ قيام حركة الضباط الأحرار مبذولة وموثقة بدقة تؤكد أن دولة المؤسسات لم تتحقق في مصر حتى الأن، وهذا الحراك الشعبي غير المسبوق فى تاريخ مصر هو ثورة لإعادة بناء دولة جديدة تحكم بمؤسسات قانونية لا بإفراد وعصابات وتنظيمات قمعية. والشعب المصري يملك القدرة والكوادروالعقول والموارد لإنجازهذه الدولة ولكن المجلس العسكرى سوف يظل يسأل عن لون البقرة وعن هيئتها وعن علامة هنا وعن أمارة هناك وعن صكوك ملكية البقرة وسيظل يعنعن لأنه لا يريد شهادة الميت متشبها في ذلك بالعقل الصهيوني المماطل.
إن هدف المجلس العسكري هو تدجين الثورة بحجة حمايتها من نفسها وهو هدف يتماهى فى بعده الإقليمي والدولي مع أهداف القوى الصهيوأمريكية في المنطقة لخلق حالة من الشلل فى الحياة السياسية ورهن سلطة صناعة القرارفى قبضته بنوع من البلطجة السياسية متدرعا بقوة سلاح هوملك للشعب ومعتمدا في ذلك معارضة قديمة مخترقة ومدجنة وفاقدة للرؤية وناصبا فزاعات النظام السابق بعد التعديل الذي يضيف التيار السلفي للعبة السياسية ويلعب على تخوفات متطرفي الخطاب العلماني الموغل في وصائيته وفوق ذلك كله مستغلا تهيب شباب الثورة من تحمل المسئولية التاريخية. وهكذا بين معارضة قديمة مخترقة متعطشة للسلطة وبين المتهيبين والمتحسبين من شباب الثوارسيظل المجلس العسكري متحصنا فى تلك الثغرة على أساس أنه "القوي الأمين ".
ولكن هل هو القوي الأمين فعلا؟
إن قوته ليس لها وزنا إقليميا ولاعالميا حقيقيا بل كانت منذ نهايات حرب أكتوبر المفتوحة وتصفية قياداتها الحقيقية بالاغتيال أوالإقصاء موظفة بالكامل لهدف داخلي وهو حماية نظام الفرعون المقتول ثم خليفته الفرعون المخلوع. إن المدقق فى عملية اتخاذ القرارفى مطبخ المجلس العسكري يستطيع بسهولة تمييز أن هذه العملية فى توجهها الاستراتيجي لا تحمي الثورة كما يدعي المجلس وأن المجلس العسكري يحاول تدجين الثورة بعد أن تيقن من حقيقتها وهاله حجمها. فمنذ أن قام مبارك كقائد أعلى للقوات المسلحة بتكليف وزيردفاعه المشير طنطاوي ليسخرإمكانيات القوات المسلحة لمساعدة جهاز أمن الدولة ووزارة داخليته في مواجهة مظاهرات الشعب ضد نظامه وإلى الأن والمجلس العسكري مضطلع بهذا التكليف الذي لم يكن يتعلق بالدرجة الأولى بحماية المخلوع وأسرته وأصدقائه المقربين ومساعديه المباشرين بل بحماية نظام التبعية القائم واستبقاء بنيته القانونية والتنفيذية والحفاظ على تماسك شبكة تحالفاته داخليا وخارجيا وإغراق ما تفكك منها فى دوامة الإجراءات. وبتفويض من عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع والمرفوض شعبيا أصبح المجلس العسكري هو النظام نفسه وهو تفويض غير مشروط لا فى الزمن ولا فى الصلاحيات حتى تبهت شعلة الثورة فى القلوب.
وردا على جمعة الرجوع إلى الثكنات كانت مذبحة ماسبيرو المتورط فيها المجلس العسكري بالتعاون مع جهاز أمن المخلوع ومرتزقته من البلطجية مستغلين فيها الخوف من الفتنة الطائفية وسقوط الدولة في إعلان واضح من المجلس العسكري "أنا أو الفوضى" وإيذانا علنيا بتضييق الخناق أكثرفأكثرعلى الثورة وعلى مراكز فاعليتها كما يتوهمها المجلس وحيث يقدرها ليخنقها على مهل ويتيح الفرصة فى نفس الوقت لبقايا النظام لالتقاط الأنفاس ومعاودة التماسك. وبهذا أصبح المجلس يقف بين الشعب وبين إرادته، وما ظهر من فزعه ثم عنف ردة فعله على محاولة المتظاهرين اقتحام مبنى ماسبيرو يؤكد أن وسيلته الأساسية في المرحلة القادمة ستكون الحرب النفسية ومحاولة التأثيرعلى الوعي الشعبي أو التشويش عليه على طريقة سياسة حافة الهاوية ملوحا مرة بانهيارالدولة ومرة بالفتنة الطائفية أو بهما معا، وهذا لعب اضطراري بالنارلأن المجلس لايرى سبيلا أخر أمامه و ليس لديه أية رؤية للمستقبل كما ظهر جليا في مؤتمره الصحفي في أعقاب مذبحة ماسبيروالذى أراد به أن يغطي عاره فانكشف عواره وأعاد علينا مشهد انكار نظام الرئيس المخلوع وجهازه الإعلامي في رد فعلهم الأول على الثورة لنجد أنفسنا مرة أخرى أمام صلف الموهوم بالقوة واستهتار الطغاه بدماء الشهداء والعماء الإرادي عن إرادة الشعب لإسقاط النظام، وهو مشهد يكاد يتكرر بحذافيره في كل دول المنطقة التي تشهد ثورة على حلقة الطغيان الجهنمية التى تصادر المستقبل لصالح قوي الهيمنة.
والسؤال الملح الأن هو كيف تمكن المجلس العسكري من فرض كل ذلك على الجيش المصري الذي من المستحيل أن يكون خائنا لأهله؟ في الحقيقة ما أتاح ذلك هو غياب نظرية للأمن القومي عن المؤسسة العسكرية المصرية والتي هي فى أي جيش بمثابة الدستورفي الدولة المدنية. وغياب نظرية للأمن القومي في مصر ليس من باب الغفلة أو الإهمال، إنه أحد أهم نتائج اتفاقية كامب ديفيد بل هو اتفاقية كامب ديفيد نفسها، ففى تلافيف شروطها المكتوبة ما يفرغ الجيش المصري من أية فاعلية قومية أوسيادة حقيقية. ومثل هذا الغياب يحقق هدفا استراتيجيا لقوى الهيمنة العالمية فجيش بلا نظرية للأمن القومي يصبح قوة عمياء توجه حيث تلقى إليها الأوامر. وبفقدان الجيش المصري فاعليته أطلق الجيش الإسرائيلى يده فى المنطقة بدئا باحتلال بيروت في مطلع الثمانينات لتصبح ثان عاصمة عربية يحتلها الكيان الصهيوني ثم ما تلا ذلك من المجازر والاعتداءات العسكرية التي قام بها على طول المنطقة وعرضها وعلى مدى ثلاثين عاما. والعار الذي نتقيه ولا نسأل عنه هو إلى أي مدى اخترق الكيان الصهيوني أجهزة الدولة المصرية في ظل تراجع الجيش المصرى وافتقاره لنظرية أمن قومي طوال الفترة السابقة؟ إن لم نستطع مواجهة هذا السؤال حاليا فعلى الثورة المصرية التي آثرت أن تحسن الظن بالمجلس العسكري أن تسأل نفسها على الأقل لماذا يأبى المجلس العسكري الذي تموضع بداية في المساحة بين السلطة الممثلة في النظام والشرعية الممثلة في الشعب الثائر مدعيا أنه بهذا انحاز للثواروحماهم، لماذا أخفق بعد أن آلت إليه السلطة في أن يميل إلى الشرعية التي حققتها إرادة الشعب بالثورة؟