Thursday, May 09, 2019

الشاعروالهوية


عندما تكون الحقيقة عاجزة إلى درجة 
لاتستطيع معها الدفاع عن النفس ، 
فإن عليها أن تتحول الى الهجوم 
Bertolt Brecht
بين العنوان وأخر بيت فى النص شجون 
تظل علامة العنوان (الشاعر ) معلقة حتى آخر بيت فى النص
" لِيُعَلِّمَ أَعداءَكَ اللُّغَةَ العَرَبِيةْ "
فالعلاقة بين العنوان وآخر بيت فى القصيدة تحمل في طيتها جوهر خطاب يدمج الشعر بالهوية المقاومة فإذا كانت السماء في جوهر عقيدة الأمة لم تترك بينها وبين البشر المكلفين رباط الا نص محفوظ فالنص في جوهر العقيدة هو أصل رسالة النبي ، والشاعر في نصه حين يخاطب (همة الآمة) فأنما يقوم بوعى أو بغير وعي بدور نبي ولعل بعض من هذا "اشكل" على صورة المتنبي كشاعر من أكثر الشعراء تأجيجأ لهمة الأمة
أَنا تِربُ النَدى وَرَبُّ القَوافي وَسِمامُ العِدا وَغَيظُ الحَسودِ
أَنا في أُمَّةٍ تَدارَكَها اللَـهُ غَريبٌ كَصالِحٍ في ثَمودِ
يميز أفلاطون في كتابه "الجمهورية " عند تناوله لنص الألياذة بين الأماكن التى" يتكلم فيها هوميروس بلسانه هو ، ولايدعنا نعتقد أنه يتكلم بلسان أى شخص آخر" وتلك التي " يحاول بشتى الطرق أن يوهمنا أن المتحدث ليس هوميروس" ، أما حين يتكلم بلسان شخص آخر فإنه يتشبه بتلك الشخصية التى يحاول بشتى الطرق أن يوهمنا بأن المتحدث ليس هوميروس
ما يعيبه أفلاطون على المحاكاة هو أخفائها للهوية، وتبعاً لذلك التحوير، الذى يدخله الشاعر على صوته كي يكون ملائم لمزاج الشخصيات. يتولد عن هذا التشتت وهذه التقمصات المتعددة وهم في ذهن القارىء الذى يظن أن الشخصيات هى التى تتكلم ، في حين أن الشاعر ، والشاعر وحده هو صاحب الكلام (1)
قراءة في
القصد والقصيدة بين القطع والوصل
فبين الممكن والواقع والمستحيل يفجر النص الرؤا
ويكيد للمعنى كيداً حميداً فى زمن الاستباحة المعلنة فعلى لسان الرواى 
يحكي الفتى بوضوح استراتيجيته في استيلاد حق من أضلع مستحيل
يحكى قصة ترفعه عن التوحش وهو يقاوم المتوحشين يحكى كيف كان يقامر على قلامة عدل فى خلايا الجريمة وكيف يفكك طوق العجز عن رقاب الضحية
ـــــــــــــ
رأيت الفتى ذات صًبحٍ على مُهرةٍ في سماءٍ نَديةْ
يقول، لقد كنت أكتب شعراً كسَحبةِ نايٍ أمام الجيوشِ
وكنت أُهَدهِدُ نفسي الحمامة بين يديَّ
لكي لا تصاب بلونِ الدخان،
وكنت أخاطبُ روحَ العدوِّ التي في أغاني سليمان
حتى أُنَظِّفَ ريش الغراب، عسى أن تُراودَه رغبةٌ في البياض، 
وكنت أُفصِّلُ وجه الضحيةِ في حُلُمي
ثم أرفعه علماً وأُربي الهُوية
يقول الراوي في نص الصراع والقصيدة
إن القصيدة التى تصور الصراع، تمنحه معنى، وإن عمليات عسكرية جرت منذ آلاف السنين فى ساحل آسيا الصغرى، لن يبقى منها بعد أن تتغير اللغات والأديان والهويات والخرائط، إلا الإلياذة، لأن الإلياذة ترفع تلك الكومة المشعثة من الأحداث إلى مَعْنَى ما يُعين اللاحقين على تَشَعُّثِ حياتهم. ثم إن الشاعر لم يضف الإلياذة إلى التاريخ، بل نقب التاريخ عنها، كانت الإلياذة هناك بين أقدام الجنود، قشر عنها السياسة فبقى لُبُّها. نعم إن الناس «يتقاتلون على الثريد الأعفر» كما كان الحسن البصرى يقول فى أهل الفتنة الكبرى، ولكنهم فى قتالهم، وتحت غبار المعارك، يكتبون نصاً ما، قصيدة ما، سواء علموا أم يعلموا، يسعون لجمال ما، لبلاغة ما، لدرجة من الاختيار والحرية يهزمون بها اضطرارات الحياة والموت (2)
وقد كنت أكتب أسماءكم فوق سُنبلةٍ تاجُها في الغيومِ
وفي كفِّ فلاحة تَفرُكُ القَمحَ والهال أوَّلُها 
وهي تترك لوناً ورائحةً يُشبهانِ السلام
وكنت أرى شبهاً بيننا، بين من مات منَّا ومن مات منهم قديماً
أذكر، بالبشرية فيهم، وإلّا بما يشبه البشرية
........
قطع..
أن الانتصار الحقيقى للوحش هو أن يقوم بتحويلك لوحش 
(لستم بأكفائنا لنكرهكم وفي عداء الوضيع ما يضع) (3)
.......
أقول لهم، إن أَسفارَكُمْ لن تكون كشِعريَ في حب هذي البلادِ
سأكتب للشعبِ، شعبي الكتابَ المقدسََ خاصتَه،
سوف أهديه ملحمة في ثلاثين جزءاً وجُزءاً
أتيتُ أنافسُ، رَبَّ الجنودِ، ونافستُه، واستقامَ الكلامْ
أغني على مَهَلٍ، وعلى أَملٍ
أن يرانا المصوّر في النشرة الأبدية، 
عسى أن يقولَ المُراسلُ
إنّ هنا بشراً، لا أساطيرَ، 
إن هنا ولداً طيب النفس يعرف كيف يربي الحمام
أقول رأيتُ القتيلَ، يقول كفى
فغُرابُ الأعادي من الفحمِ
لن يتغيرَ، وَالنَّصرُ يُغنيكَ عن شَرحِ أسبابِهِ
لقد كُنتُ سَمْحَ المُحَيّا، ورَحباً، وأَحتمِلُ الظُّلمَ حتى أُبَيِّنَهُ كالمسيحِ
ولكِنَّهُم حَمَّلُوا القَلبَ أكثرَ مما تُطيقُ القُلوبُ
ومَرَّتْ على رأسِ عيسى الحروبُ فلا تَتْرُكوهُم،
خُذوا الدَّينْ، أقصدُ, شِعريَ الجميلَ استعيدوهُ مِنهُمْ
وأقصِدُ بالشِّعرِ، مِشيةَ شعبي إلى الصَّلبِ مَشيَ النبيّ الوديعِ الضَحِيّة
.................................
قطع..
فَلَمَّا صَرَّحَ الشَّرُّ *** وأَمْسَى وهو عُرْيَانُ
ولم يَبْقَ سِوى العُدْوانِ *** دِنَّاهمْ كما دَانُوا
شددنا شدة اللَّيْثِ *** غَدَا واللَّيثُ غَضْبَانُ
بِضَرْبٍ فيه تَوْهينٌ *** وَتَخْضِيعٍ وَإِقْرَانُ
وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ *** غَذَا والزِّقُّ مَلآنُ
وفي الشَرِّ نَجَاةٌ حينَ *** لا يُنْجِيكَ إِحْسَانُ
وبَعْضُ الحِلْمِ عندَ الجَهْلِ *** لِلذَّلَّةِ إِذْعَانُ
الفِنْد الزماني
....................................
وصل ..
أقولُ استعيدوا قليلاً من العنفْ،
بعضَ الوُضوحْ،
فَثَمَّةَ مُتَّسَعٌ للكِنايةِ بعد انحِسارِ المذابحِ،
يا ولدي، ليسَ هذا حِواراً مع الآخرِ الأزَليِّ، 
ولا هوَ بِالجَدَلِ الفَلسَفيِّ
هو الموتُ في الشّمسْ، لا لَبْسَ فيهِ
هيَ الحَربُ، حاورْ بما تَقتَضيهِ
ولا تنتظرْ يومَ يَقرَاُ خَصمُكَ شِعرَكَ، 
لن يقرؤوهُ
ولا تَلبِسِ اليَومَ ثَوبَ التقيةْ
وخَلِّ السِلاحَ، وإن كانَ حِفنَةَ رَملٍ رَمَيتَ بها رَتلَهُمْ،
لِيُعَلِّمَ أَعداءَكَ اللُّغَةَ العَرَبِيةْ
ــــــــــــــــــــــــــــ
قطع ..
لكن " رايخهم الثالث " يذكر بقلعة "تار " الاشورية
التي ‘كما تقول الاسطورة ‘ما استطاع جيش اقتحامها
غير انها تهاوت ترابا بكلمة مدوية واحدة..
نطقت بداخلها
برتولت برشت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكتابة والتناسخ/ عبد الفتاح كليطو
2- مقدمة البردة تميم البرغوثي
3- قصيدة إن سارَ أهلي فالدّهر يتّبعُ