تعليق على مقال الكاتب بلال فضل
المنشور بالمصرى اليوم بتاريخ 8/مارس/2011
بعنوان الجيش هو الهدف القادم لأذناب نظام مبارك
http://www.almasryalyoum.com/node/342988
لكي نبعد عن الظنون المشروعة وغير المشروعة ولكي نغيب شبهة القداسة عن القوات المسلحة ونتعامل معها كمؤسسة لها احترامها وتقديرها فلنعود لنص كتب من كاتب ثقة ليك ولغيرك كثيرين وهو من أئمة المتحسبين الذين يقدرون خطورة ومسؤولية الكتابة وكان المقال عن دور القوات المسلحة في مارس 1996 قبل الثورة بخمسة عشر عاما
وأظنها فتره كافيه تغنينا من توجسات يفرضها الواقع الآني والنص أي نص يكون معاصرا ومواكبا بقدر قدرته على الاقتراب من جوهر الموضوع المثار وماهيته
"مقاطع طبق الأصل من نص المقال "القديم
هناك دائما حرج من الاقتراب من موضوع القوات المسلحة. لان التفكير فيها والحديث عنها ، يعنى أننا نتكلم عن قوة السلاح . والناس تريد أن يكون السلاح خارج المناقشات
وأي حديث عن القوات المسلحة يحمل مظنة إقحامها في الصراع السياسي ،سواء بالاستعداء أو بالمشاركة في القمع بشكل أو بآخر . بينما نحن في حاجة إلى ترسيخ للدور الأساسي للقوات المسلحة ،فهي ظاهرة جديدة في حياتنا السياسية ،فلم يكن لدينا قوات مسلحة في عصرنا الحديث إلا منذ وقع هذا النوع من الاستقلال الذى حصلنا عليه عام 1936.قبل ذلك عشنا في ظل جيوش غازية وانكشارية وعثمانيين... الخ
حتى جيش محمد على الذي قامت بقاياه بالثورة العرابية ، لم يكن جيشا حديثا بالمعنى المفهوم. منذ معاهد 1936 بدأ بناء القوات قوات مسلحة مصرية ، وبعد الثورة أصبح لدينا قوات مسلحة وهى خبرة جديدة ،وهناك دائما حيرة إزاءها وحولها . أنها أحد مؤسسات الدولة ، ودورها هو حماية الآمن القومي ، ولكن التعامل معها ليس له قواعد مستقرة بعد ، وهناك دائما حساسية شديدة في الاقتراب منها . من المؤكد أن القوات المسلحة هي قاعدة الحكم ، هذه حقيقة اليوم أكثر من أي وقت مضى . ففي ظل حركة شعبية قوية وواسعة لا تحتاج الدولة إلى ممارسة القوة من الداخل ، ولكن في طل انحسار الحركة الشعبية تحتاج الدول أكثر إلى أجهزنها وأدارتها بما فيها القوات المسلحة
وهناك خاصيتان في القوات المسلحة . من ناحية هى جزء من الشعب تعيش مشاكله وتحس بأحاسيسه . وهى من ناحية أخرى كمؤسسة تملك السلاح . هناك حالة من القلق ناتج عن إدراكها أنها قاعدة الحكم . وفى نفس الوقت هناك رغبة في إقصائها عنه . وتزداد حالة القلق هذه فى ظل غياب نظرية للأمن القومي
كان لنا في وقت سابق نظرية واضحة للأمن القومي ، قائمة على تصور مشروع عربي معين تمارس من خلاله دورك في الأمة وفى الإقليم الآن مفهوم الأمن القومي غير موجود . اليوم القوات المسلحة لديها السلاح من غير نظرية للأمن . وهذا يزيد المخاوف المشروعة من استخدام القوات المسلحة في الأمن الداخلي وليس من أجل الأمن القومي
واقع الأمر أن القوات المسلحة في كل بلاد الدنيا هي قاعدة الحكم . تبعد المسافة بين هذه القاعدة والطليعة بمقدار قوة العمل السياسي وتنكمش بمقدار ضعفه وضيقه
فسلطة الدولة تتمثل في الشرطة والقضاء . ثم في القوات المسلحة اذا عجزت بأدواتها الأخرى عن فرض سلطتها
القوات المسلحة –فى الأساس- هي أداة الدولة لفرض إرادتها في الخارج ووجودها في حد ذاته يغنى الدولة عن استخدامها فى الداخل . إلا فى حالة ضعف الدولة . نحن ننسى ان فرنسا حدث فيها انقلاب عسكري عام 1958 أتى بديجول للحكم ، وجرت محاولة انقلابيه عليه بعد ذلك ولكنها لم تنجح
نتذكر مرة أخرى أن القوات المسلحة في النهاية أداة الإجبار في الدولة . والمسافة بين السلطة السياسية وقوة الإجبار الرئيسية تتسع كلما كان العمل السياسي قويا ويحتل مساحة واسعة . وتضيق كلما انكمش العمل السياسي ، ومن ثم يزداد اعتماد الدولة على القوات المسلحة
انتهى نص المقال
وبعد
بين تاريخ كتابة هذه الكلمات وما نحن فيه الآن هناك مساحة زمنية كبيرة ولكن ما جاء فيه من أفكار يشكل نوع من الأساس لرؤية لأنه مبنى على ارتباط وثيق بالتاريخ وبالواقع وعلى قاعدة جيدة ودقيقه من المعلومات
لن يكون عصي على المهتم تغطية فجوة المعلومات عن مؤسسة الجيش المصري مما هو موثوق ومتوفر من مراجع والأهم المراقبة المنتبهة لتحركات القوات المسلحة وقراراتها الآن في ظل ظرف تاريخي نادر لم يتحقق من قبل للشعب المصري وفي ظل ظروف نادرة إقليميا وعالميا بكل معنى الكلمة علي المستوى الاستراتجي وعلي المستوى التاريخي وعلى المستوى الإنساني
الثورة الحالية وصفت من الكاتب نفسه بأنها ثورة كاملة وإنها ستعبر بالشعب المصري إلى عالم الشعوب الحرة
ودور الجيش مهم ولكن الثورة هي أداة التغير الوحيدة الآن بالشعب وللشعب والجيش ككيان هو من الشعب ولكنه كمؤسسه يتخذ قرار فما هي مرجعية هذا القرار وهنا بمقدار استلهامه و اقترابه من روح الثورة سيكون قرار ا شعبيا وإذا كان الشعب يد الثورة فسيكون الجيش ظهر الثورة الحامي والتاريخ له أعين وأذان
مرجع المقال هو العدد الثالث والسبعون من مجلة اليسار مارس 1996 حوار مع هيكل
أجراه حسين عبد الرازق
5 comments:
متابعات
الخميس 5 ربيع الاخر 1432 – 10 مارس 2011
المتآمرون يتحركون - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_10.html
منذ انفجر بركان الغضب الشعبي في وجه نظام الرئيس السابق تتابعت مجموعة من الأحداث تحتاج منا إلى انتباه، وإلى تحليل لسياقها ومراميها، هذه الأحداث هي:
> الاختفاء المفاجئ للشرطة، الأمر الذي صدم المصريين وروعهم، من حيث إنه أفقدهم الشعور بالأمان، حتى وهم في داخل بيوتهم. ليس ذلك فحسب، وإنما أدى إلى إثارة الفوضى في البلاد، وإلى إطلاق العصابات التي شرعت في السلب والنهب في مشهد مخيف، لم يعرفه المصريون من قبل.
> فتح عدد كبير من السجون وإخراج من فيها أو هروبهم، وانضمام أعداد كبيرة من أولئك المحكومين إلى الفئات التي أسهمت في السلب والنهب وترويع المواطنين، الأمر الذي أسهم في توسيع دائرة الفوضى بحيث لم تعد تقتصر على المدن والضواحي، وإنما أصابت سكان المناطق النائية التي يضعف فيها حضور الدولة، وفي غياب الشرطة فإنه أريد إقناع قطاعات كبيرة من الأهالي بأنه لم تعد هناك دولة من الأساس.
> الانتشار المفاجئ للإضرابات والمطالبات الفئوية في توقيت متزامن، بحيث استدعت كل فئة مشكلاتها في وقت واحد وخرجت رافعة لواء العصيان، بين من يطالبون برفع أجورهم إلى المطالبين بتثبيتهم في وظائف الحكومة، إلى المطالبين بتوفير المسكن أو المرافق، إلى المطالبين بإقصاء رؤسائهم في الأجهزة الحكومية والوحدات الإنتاجية المختلفة..الخ.
> إصابة القطاع الصناعي بالشلل سواء بسبب الإضرابات أو بسبب غياب الأمن الذي حال دون وصول العاملين إلى مقار عملهم.
> الظهور المفاجئ لمجموعات من السلفيين خصوصا في القاهرة والإسكندرية، الذين خرجوا في مسيرات خاصة لم تر من قبل طوال أيام الغضب الجماهيري الحاشد. وهذه المسيرات رفعت لافتات مختلفة عن تلك التي توافق عليها المتظاهرون، والتي كانت ذات طابع وطني بالدرجة الأولى. في حين أن لافتات ونداءات تلك المسيرات اتسمت بطابع ديني زايد على الجميع. ولم تكن اللافتات وحدها التي أثارت الانتباه، ولكن توقيت خروج المسيرات واشتباك المشاركين فيها مع فئات المجتمع الأخرى كان بدوره مثيرا للتساؤل والارتياب.
> لاحت بوادر لمحاولة الوقيعة سواء بين الجيش والشرطة أو الجيش والشعب. إذ تناقل كثيرون تعليقات لبعض رجال الشرطة غمزت في دور الجيش وقللت من شأن قدرته على الحفاظ على الأمن.
وقال لي شخص إنه اتصل هاتفيا بأحد أقسام الشرطة شاكيا من أمر اعترضه فرد عليه الضابط الذي تلقى المكالمة قائلا: لماذا لا ترجع إلى الجيش الذي احتميتم به، ثم أضاف: ليته ينفعكم. أما محاولات الوقيعة بين الجيش والشعب فقد تكفل بها نفر من البلطجية الذين تكررت محاولات تحرشهم بالشرطة العسكرية في ميدان التحرير.
> فتحت مقار جهاز أمن الدولة أو تم اقتحامها في توقيت واحد تقريبا، بعد أن قطعت عمليات إحراق وإبادة ما فيها من تقارير وملفات شوطا بعيدا. وتمت استباحة كميات أخرى من التقارير التي أثارت طنينا ولغطا في طول مصر وعرضها. وحين أصبحت تلك التقارير بين أيدي الذين دخلوا إلى المقار في مختلف أنحاء مصر، شغل الناس بسيل الأخبار والأسرار التي تضمنتها مما أشاع درجات مختلفة من البلبلة بينهم.
> أطلت الفتنة الطائفية برأسها، بعد الاعتداء على إحدى الكنائس، وخرج المئات من الأقباط في تظاهرات احتجاجية غاضبة، الأمر الذي تطور إلى اشتباك بين بعضهم وآخرين من المسلمين، وجرى تصعيد الاشتباك إلى ما هو، حيث دمرت سيارات كثيرين وهرب البعض من بيوتهم وأحرقت بيوت آخرين.
هل يمكن أن تكون هذه كلها مصادفات؟ وهل نبالغ إذا ما قلنا إن ثمة أيادي خفية لم تتوقف عن إفساد الإجماع الوطني وتأليب وتحريض فئات المجتمع على بعضها البعض، ومن ثم إشغال الوضع المستجد وإرباكه بما لا يسمح لسلطة الثورة بأن تتقدم في مسيرتها، وبما يشيع البلبلة والترويع والفوضى في البلاد، لإقناع المصريين بأنهم انتقلوا إلى وضع أسوأ، وأن الوضع السابق رغم سوءاته كان أفضل لهم
ـ وهل نبالغ إذا قلنا إن عناصر جهاز أمن الدولة التي تآمرت على المجتمع بأسره في السابق مازالت تواصل تآمرها لإجهاض الثورة؟ وألا يعني ذلك أنه لا يزال في البلد طابور خامس يتربص بنا لا يتوقف عن إشعال الحرائق في ربوع البلاد مستهدفا استنزاف الثورة وإفشالها؟..
ليس هذا بلاغا إلى النائب العام، ولكنه بلاغ إلى عموم أهل مصر.
...........................
تعليق
سؤال مشروع من يقف ضد أن تحقق الثورة أهدافها على ماذا يعول ؟على ماسبق الثورة يعنى نظام مبارك !أم على تصور معين للمستقبل؟
إذا كان يدافع عن نظام مبارك فهذا مفهوم فهو مجرد سادن
مهما توارت تبريراته
وإذا كان يختلف على تصور معين للمستقبل فليقدم رؤيته فهو مع شرعية الثورة
أما إن يكتفي بأن يجادل الذين يقدمون رؤيتهم للمستقبل على أساس شرعية الثورة
فهوأما لايعترف بالثورة أو ملتبس عليه لايعرف ماذا تعني كلمة ثورة أساسا ناهيك عن إدراكه لكيفية تشكل بنية الثورة المضادة
وهذا ليس بغريب فرئيس وزراء مثل شفيق لا يعرف إن منصب الوزير منصب سياسي
وهنا يكمن المأزق
متابعات
قراءة فى مدونة نوارة الأنتصار
جبهة التهييس الشعبية
بين نوارة والجيش
متابعات
قصيدة: «وذي رَحِمٍ قَلَّمتُ أظفارَ ضِغْنِهِ» لِمَعْن بن أوس
وذي رَحِمٍ قَـــلَّـــمتُ أظــــفـــارَ ضِــــــغْنِه
بحـــلـــمــي عـــنه وهـــو لـــيس له حِــــلم
* * *
يُحـــاولُ رَغــمـــي لا يحـــاولُ غــــــيـــره
وكـــالمـــوت عـــندي أن يَحُلَّ به الرَّغْم
* * *
فإن أعْـــفُ عـنه أُغــــضِ عَيْناً على قَذى
وليس له بالصــفـــح عــن ذنــبـــــه عِلم
* * *
وإن أنـــتـــصـــر مـــنه أكُنْ مثل رائشٍ
ســهـــامَ عَــــدُوٍ يُــستهاض بها العَظم
* * *
صـــبرتُ عــــلى مــــاكان بــينى وبينه
وما تــســـتــوي حــــربُ الأقارب والسلمُ
* * *
وبادرتُ مـــنه النـــأيَ والمــــرءُ قـــادر
عـــــلى ســـهـمه مادام في كفهِ السهمُ
* * *
ويَشْتمُ عـــرضِي فـي المُــغَــــيَّب جاهدا
وليـــس له عـــنــدي هــــوانٌ ولا شَـــــتْمُ
* * *
إذا ســــمــــتُه وَصْـــلَ القــرابة سامني
قـــطـــيعــتها تلك الســفـــاهـةُ والإثمُ
* * *
وإن أدَعُــهُ للنِّــصـــف يــــأبَ ويَعــصني
ويـــدعُو لحُــــكْم جـــائــــر غَيْرهُ الحكم
* * *
فلولا اتــــقــــاءُ الله والـــــرحـــــــمِ التي
رِعــــايـــتُــها حـــقٌ وتَعـــطـــيلُـها ظُلمُ
* * *
إذاً لعـــلاهُ بـــــارقــي وخَــطَـــمْـــتُــــــــهُ
بـــوســـم شَــــــنَــــارٍ لا يشاكهُه وَسمُ
* * *
ويــســـعــى إذا أبــنــي ليـهدم صالحي
وليس الذي يبني كمـــن شأنه الهدمُ
* * *
يـــودُ لو أنــي مُـــعْـــدِمٌ ذو خَـــصَـــــاصةٍ
وأكــــــره جُـــــهــدي أن يُخالطه العُدْمُ
* * *
ويَعـــتَدُّ غُـــنْــماً في الحوادث نَكبتي
وما إن له فـــــيـــهــــا سَــــنَاءٌ ولا غُــنْمُ
* * *
فــمــــا زلــــت فـــي لـــيني له وتعطفي
عــــلــيه كــــما تـــحــــنو على الولد الأمُ
* * *
وخـــفـــضٍ له مـــنـــي الجــــناح تــــــألفاً
لتـــــدنــــيـــــه مني القـــــرابةُ والرِّحْمُ
* * *
وقــــولي إذا أخــــشى عـــلــيه مـــصيبة
ألا اســلم فـداك الخالُ ذو العَقْد والعَمُّ
* * *
وصــبري على أشــــياءَ مــــنه تُـرِيبُني
وكظمي على غيظي وقد ينفع الكَظمُ
* * *
لأســـتل مـــنه الضِّــغــن حتى استللتُه
وقـــد كــــــان ذا ضِغْنٍ يضيقُ به الجِرْمُ
* * *
رأيتُ انْثلاماً بـــيـــنـــنا فـــرقـــعـــته
بـــرفقي وإحــــيائي وقـــد يُـرقْعَ الثَلمُ
* * *
وأبــــرأتُ غِلَّ الصَّـــــدْر مـــــنه تَوَسُّعـاً
بحلـــمي كـــما يُــشفى بالادْوِيَة الكَلْمُ
* * *
فـــــداويتـــــه حـــــتى ارْفَـــــأَنَّ نِـفاره
فَــــعُــــدنا كأنا لم يــكن بيننا صَرْم
* * *
وأطفـــأَ نــــار الحــــرب بـيـنـي وبينه
فأصــبــح بــعــد الحـــرب وهـــو لنا سَلْمُ
12 March 2011 12:09
http://tahyyes.blogspot.com/2011/03/blog-post_12.html?showComment=1299924552153#c7471516751889679891
متابعات
جيش أم مؤسسة عسكرية؟!
ميشيل كيلو
2011-03-14
لم يفرق عقلنا السياسي بين الجيش والمؤسسة العسكرية. لو انك ذكرت اسم الجيش والمؤسسة العسكرية أمام عشرة من العرب، وسألت عن الفارق بينهما، لأجابوك جميعهم على الأرجح بأنك أمام الشيء ذاته، وأن لا فارق بينهما: فالجيش مؤسسة عسكرية والمؤسسة العسكرية جيش.
لكن هذا ليس صحيحا. هناك فروق كثيرة بين الجيش والمؤسسة العسكرية، أهمها موقعهما من النظام السياسي وداخل الدولة ووظائفهما، فالجيش يخضع لحكومة شرعية تحدد دوره فيكون مسؤولا أمامها وخاضعا لرقابتها، بما أنه يحمي وطنه ولا يتدخل في تقرير سياساته وتحديد خياراته، مع أنه قد يبدي رأيا خبيرا في بعض المسائل، إذا ما طلبت الحكومة ذلك منه. عندما نقول الجيش، فإننا نعني جهازا رسميا يحتكر امتلاك السلاح والعنف في الدولة التي ينتمي إليها، يكلفه الدستور بحماية أراضيها وسيادتها ضد أعدائها الخارجيين حصرا، دون أن يكون طرفا في الصراعات السياسية التي توجد داخلها، ويتم تنظيمها وحلها بالأساليب القانونية والشرعية، التي يضمنها القانون وتعتمدها إدارة سياسية منتخبة قائمة على توازنات دقيقة ليس الجيش طرفا فيها، مع أنه مكون رئيسي في الدولة، بما في ذلك نمطها التمثيلي / الانتخابي. الجيش للوطن، وليس لأي تكوين جزئي من تكويناته حزبيا كان أم رسميا. وليس له من عمل غير إعداد نفسه للدفاع عن الوطن والشعب في إطار إستراتيجيات سياسية ترسمها الحكومة القائمة، يترجمها هو إلى إستراتيجية عسكرية تحمي مصالح الدولة العليا ضد الخارج، فإن حدث ولعب دورا داخليا، وجب عليه ممارسته في إطار القانون ولمدة محددة ومهام بعينها، ينجزها على مسؤولية الحكومة التي كلفته بتنفيذها.
بدورها: المؤسسة العسكرية جهاز مسلح مختص، يحتكر السلاح والعنف، لكنه يرى في حكم بلاده وليس في الدفاع عنها مهمته الرئيسية، فهو يستخدم سلاحه داخل وطنه بالدرجة الأولى، ويعتبر الدفاع عن الوطن، وهو مهمة الجيش الرئيسية، مسألة ثانوية وتالية بالنسبة إلى مهمته السياسية الداخلية، التي تلزمه باحتلال مجمل المجال السياسي داخل بلاده، وبحصر مجمل جهده في ممارسة السياسة والتدخل فيها، ورفض أية توازنات داخلية تحد من سلطته، سياسية كانت أم غير سياسية، بما أنه يعمل دوما لبلورة موازين قوى داخلية تخلو من أي توازن، ويرفض أي نظام تمثيلي يتعين بإرادة غير إرادته، ويتمسك دوما على وجه التقريب بسيطرة حزب واحد وأيديولوجية واحدة، ويضع الدولة تحت تصرفه، ويضيق ذرعا بكل ما يمكن أن يفك قبضته عن السلطة والمجتمع. بوظيفتها هذه، تمارس المؤسسة العسكرية دورا يعين كل شيء في بلادها، هو أقرب إلى مهام الأمن والشرطة منه إلى حماية الوطن، يوحي بأن خصمها ليس خارجيا بل هو داخلي، وأنها هي التي تضع الإستراتيجية السياسية، التي يجب أن تلزم كل من هو داخل مجال سيطرته المطلقة.
ليس الجيش والمؤسسة العسكرية متماثلين، بل هما مؤسستان متشابهتان ظاهريا متناقضان في الجوهر. لو نظرنا إلى تاريخنا الحديث لوجدنا الجيش الذي يفقد صفته بمجرد أن يصير مؤسسة عسكرية حاكمة، والمؤسسة العسكرية الحاكمة التي تتحول إلى جيش بمجرد أن تنظم أمورها وترى نفسها بدلالة حماية الوطن والدفاع عن الشعب، وتلتزم بقدر من المهنية يبقيها خارج أية فاعلية سياسية مستقلة أو مباشرة. وإذا كان قد حدث شيء من التداخل بين التكوينين في الماضي، حين انقلبت مؤسسة عسكرية تنفرد بالحكم إلى جيش تولى الدفاع عن 'دار الإسلام'، كما حدث مثلا في الحقبة الأيوبية، خلال الحروب التي خاضها ضد الفرنجة وأدت إلى إخراجهم منها، فإن هذا الواقع تغير مع تشكل الكيانات الوطنية الحديثة، القائمة على فصل السلطات والتخصص، والتي لم تعتبر الجيش سلطة وإنما وضعته خارج جميع السلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأخضعته للسلطة التنفيذية (وفي بعض البلدان للتشريعية أيضا)، وجعلته أداة بيدها يتلقى أوامره منها وينفذ إستراتيجية رسمتها هي، تمنعه المهنية والتخصص وطبيعة مهامه، وكذلك قوامه الخاص، من التدخل في الشأن السياسي.
وليس سرا أن جيشا جبارا كالجيش الألماني نفذ إستراتيجيات وضعتها سلطة قادها شخص كان عريفا فيه (وليس جنرالا كبيرا) هو أدولف هتلر، وأنه حظي بطاعة الجنرالات بمجرد أن نال أغلبية انتخابية وصار مستشارا للرايخ الألماني، علما بأن من نفذوا أوامره والتزموا بخططه كانوا غير موافقين في حالات كثيرة على ما يفعل ويخطط، لكنهم تقيدوا بما رأى وقرر حتى النهاية احتراما 'للشرعية الانتخابية'، التي مثلها.
واليوم، وفي لحظة الانعطاف التاريخي التي نعيشها ونعول كثيرا عليها، نرى أنفسنا أمام مشكلة مهمة جدا، لعب غموضها دورا خطيرا في تاريخنا الحديث، تتعلق بالفارق بين الجيش والمؤسسة العسكرية، الذي يجسده وقوف جيشي تونس ومصر على الحياد بين الثائرين والنظام الحاكم، ورفضهما تنفيذ أوامر صدرت إليهما بقمع الثورة، لأنهما لم يكونا، كجيشين، طرفا في الصراعات الدائرة، ولأن وقوفهما ضد الشعب كان ينافي مهمتهما في الدفاع عنه باعتباره مصدر شرعية أي سياسي أو حاكم، فإن فقد ثقة الشعب فقد في الوقت نفسه الحق في أن يقف جيش الوطن معه، وإلا تحول إلى مؤسسة عسكرية، مثلما هو حال الجهاز العسكري المسلح في ليبيا القذافي، الذي قبل أن يكون طرفا في صراع سياسي داخلي بين حاكم فرد يرى شرعيته في الغلبة والقسر، وبين شعب ثار عليه، وتبنى موقف الحاكم، كأنه هو وليس الشعب مصدر الشرعية والسيادة. بينما غلب الجيشان التونسي والمصري طابعهما كجيش على النزوع إلى الحكم، الكامن في كل جيش، وتعهدا أن لا يحكما بلديهما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو يتدخلا في السياسة بعد استكمال الانتقال إلى النظام الديمقراطي وحكم القانون، وغرقت مؤسسة ليبيا العسكرية في سياسات معادية للشعب هناك، مصيرها الفشل والإخفاق، تبدو كأنها لا تدرك فداحة الثمن الذي ستدفعه في وقت غير بعيد.
ثمة في جوارنا تجربة تستحق أن يتوقف المرء عندها، هي تحول المؤسسة العسكرية التركية إلى جيش في ظل حزب التنمية والعدالة، الذي تولى الحكم بانتخاب شعبي حر، ليجد مؤسسة عسكرية لديها سلطة موازية، تراقب الحكومات المنتخبة والحياة السياسية، وتعترض على ما لا يروق لقيادتها بذريعة الدفاع عن تركيا وحماية وحدتها الداخلية وأمنها القومي. وكانت سيطرة الجيش قد اتخذت طابعا مؤسسيا من خلال ما عرف بـ' مجلس الأمن القومي '، الذي يضم عددا كبيرا من العسكريين وقليلا من السياسيين، ويتولى تقرير شؤون البلاد والعباد، ويعطي نفسه حق نقض قرارات الحكومة، قام أكثر من مرة بإلغاء نتائج الانتخابات متجاهلا أنها تجسد إرادة عامة هي في الدول المتحضرة مصدر أية سلطة وشرعية. واليوم، تغير الوضع واقتربت العلاقة مع الحكومة المنتخبة من علاقة جيش بحكومته، وفقدت المؤسسة العسكرية الكثير من طابعها القديم، واقتربت من الطابع الذي يحمله الجيش في الدولة الحديثة، حيث تدور حياته كلها في الثكنات وميادين التدريب، ولا يتدخل في السياسة ويلتزم بالشرعية التمثيلية المستندة إلى إرادة الشعب كما تعبر عن نفسها في صناديق الاقتراع والانتخاب، ويقننها الدستور : السيد الوحيد في الدولة، الذي يخضع له الجميع.
ذات يوم من عام 1962، وكنت طالبا في جامعة مونستر بألمانيا (الغربية آنذاك)، استدعي مفتش الجيش الألماني، أي كبير جنرالاته، للشهادة أمام مجلس النواب في مسألة بالغة الحساسية تتعلق بنشر وثائق تخص حلف الأطلسي وتتضمن خططه السرية للهجوم على ألمانيا الشرقية. وقف الرجل أمام النواب، بعد أن أدى التحية العسكرية لرئيس مجلسهم، وأخذ يتحدث عن الوثائق من الجانب العسكري.
وعندما أضاف أن نشرها يؤثر على علاقاتنا مع بقية حلفائنا في حلف الأطلسي، قاطعه رئيس المجلس وقال له بحزم: أنت تتجاوز الآن صلاحياتك، لقد دعوناك كي نسمع رأيك بصفتك خبيرا عسكريا مهنيا ولم ندعك كسياسي. عد من فضلك إلى مقعدك. رفع الرجل يده بالتحية العسكرية من جديد، وعاد إلى مقعده بين الشهود. حدث هذا أمام التلفاز وشاهده شعب ألمانيا بأسره، دون أن تنزل الدبابات في اليوم التالي إلى الشوارع، أو يدافع أحد عن موقف الجنرال أو يقول إن رئيس المجلس أهان الجيش!.
من الضروري إلى أبعد الحدود أن تقف ثورة العرب الحالية عند هذه المسألة المهمة: تحويل المؤسسات العسكرية العربية إلى جيوش تحمي أوطانها وتدافع عن وحدة شعوبها ودولها، ولا تحكمها مباشرة أو تتحكم من بعيد بمصيرها.
إذا كان موقف جيشي تونس ومصر من الثورة ضد النظام، ورفضهما الدفاع عن شخص الحاكم ضد شعب تمرد عليه هو بشرى خير، فإن تحويلهما إلى جيشين محترفين ومهنيين هو شرط ضروري لنجاح الثورة الشعبية الديمقراطية، ولتحول الدولة إلى قوة تنمي حرية المواطن وتكفل حقوقه، بعد أن كانت خلال فترة طويلة جدا من تاريخنا خاضعة لمؤسسة عسكرية تحولت إلى مصدر بؤسه واحتجاز تقدمه وحريته!.
' كاتب وسياسي من سورية
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\14qpt698.htm&arc=data\2011\03\03-14\14qpt698.htm
Post a Comment