الثورة تأتي فتفكك الواقع وتنفض الساكن وتكشف المسكوت عنه وتشرعن القول في الممتنع، وهى كالشمس تفعل فعلها بتخللها كل شيء فيظهر المخبوء وينجلي المدارى، وفي عجيج مولد الثورة، في تلك المساحة الزمنية التي يتأرجح فيها الفعل الثوري بين التأثير والتغيير تتوالي الحوادث ويتخلخل الزمن ما يؤجج لصراع الإرادات بين الشعب يريد وماذا يريد؟ بين من يخاطبون الشعب للتأثيرفي إرادته ومن يحاولون واهمين أو راهبين استلابها من جهة، وبين من يمزجون إرادتهم بإرادة الشعب من جهة ثانية وبين من لا يريد للشعب إرادة - ما اصطلح على اختصاره بالثورة المضادة - من جهة ثالثة. الثورة بتكوينها فعل تطهير وخاصية التطهير في الثورة لا تبدو كعملية هدم وبناء ولكن فيها من خواص الظواهر الطبيعية التفاعل والصهر والإذابة والتشظي والانفلات، واستلاب العادي لصالح الجوهري، وخلخلة الثابت لصالح النافع، وانتهاش الرسمي لصالح الشعبي، كل هذا يكون جدار شاهق أمام من يتصدون لفعل الثورة بالإحاطة سواء بالتنظير أو بالفعل السياسي، فالثورة لا تنتمي لأحد والكل ينتمي لها ولا تتيح الركوب في سفينتها إلا لمن يؤمن بها وحتى في حالة الركوب يتكفل الموج تحتها باقتلاع من يحاول التصدر من مقدمتها ليوجهها، وعندما يتحدث من يتحدث باسمها تغرقه في تفسير كنهها. ولذلك اصطلح قول أن الثورة تأكل أبنائها والأصح الثورة تأكل المنتسبين لها. عل ضوء تلك التأملات، هناك فصيلان بدا منهما نوع من الجرأة على تحديد مسار فعل الثورة ، ما أوقعهم في محك ارتطام بمفاعيل الثورة هما سلفيي الوهابية من جهة وما اسميهم سلفيي العلمانية، ولما لا؟ فكما وللوهابية سلفييها للعلمانية سلفييها أيضا ، وما عرضهم لهذا الارتطام بالثورة تطرف في التحيز يعلي الفكرة على الإنسان بحيث ترتبط قيمة الإنسان بمقدار اقترابه أو ابتعاده عن الفكرة وهو بالنسبة لسلفي الوهابية نوع من الشرك الخفي يتلبس تعاملهم مع النص، يجعل صاحبه يعارض الإرادة الإلهية في تكريم بني أدم، فالخطاب السلفي لا يحترم الضعف الإنساني وقد خلق الإنسان ضعيفا، بل تراهم يتعاملون مع الناس و:كأنهم أيقنوا أنهم الفرقة الناجية بالفعل و فرغوا من يوم الحساب لا تجد فيهم هذا التواضع للناس ولا لله فيضيقون الواسع والإنسان في نظرهم كائن هش وسريع العطب يحتاج التكبيل وهي هي نفس الآليات نجدها عند سلفيي العلمانية فاحتفائهم بالعقل الإنساني يجعلهم في عماء حقيقي عن قيمة الوجود الإنساني نفسه وافتتانهم بالحرية يذهلهم عن رحابة مفهوم الحرية ما يجعلها صنما لا آلية لتحرر الإنسان، بحيث أن المواطن في نظرهم غير جدير بمعرفة قيمة الحرية ما لم تتفق رؤيته مع طقوس حمايتها التي يعتقدون بصوابها، وفي الغريمين كثير من الصلف والغرور غير المعلن ما يفيض في طريقة تعاملهم مع البشر فإما رؤيتهم وإلا العطب والقصور، فيضيقون الواسع بدورهم أيضا وكأنهم يصدرون عن القدر.وهذا ما يفسر الوصائية التي تكتنف أسلوبهم، أنهم يتكلمون إلى الناس أحيانا ولكنهم لا يتكلمون مع الناس أبدا. معادلة الثورة وانتسابها تلخصها عبارة واحدة بعيدا عن كل سيول التحليلات وركام التأويلات هي عبارة "الشعب يريد" وبمقدار الاقتراب أو الابتعاد عن تلك الإرادة سيقييم الفعل الثوري لا حسب تصورات وأحلام مشروعة أو متخيلة تقدمها أية رؤية أو تيار أو قوى فئوية أو حزبيه أو طبقية ولكن حسب رؤية هذا الشعب الذي يريد أي حسب رضى الإنسان المصري العادي الذي يمثل الشريحة الكبرى من كتلة هذا الشعب فهو من تحمل وأبنائه كل تبعات هذا النظام وجرائمه الموشومة على تكونه الوجودي دفع ثمنها صبرا جميلا بدمه وزمنه وصحته وكرامته وبذلا غير منقوص لإحقاب متتالية حتى استوت واكتملت زلزالا صدع جدار النظام وكسر أنف الفرعون الذي لم يقسمه من قبل غير الله ويد الله مع الشعب فهو الجماعة الجامعة لهذا فهو وهو فقط من يمتلك صك ملكيتها ليواجه بها مستقبله المستحق ومن يريد أن يكون مع هذا الشعب وإرادته فعليه أن يستمع إليه أولا باحترام وانتباه قبل أن يطرح رؤاه فإن لم يرض الشعب فعليه أن يراجع نفسه في تلك الرؤيا وإلا فسوف يسقطه الشعب من الجولة الأولى بالضربة القاضية فقبضة الشعب لا راد لها... فكما يعلم سلفيي الوهابية يد الله مع الجماعة وكما يعي سلفيي العلمانية الخطاب الثوري خطاب شعبي فأين تذهبون؟
Friday, April 15, 2011
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
1 comment:
اصبت كبد الفريقيين
Post a Comment