جنديان إسرائيليان عائدان من جنوب لبنان.
فى المغامرة وحدها حيوية الفكر. هذا ما قلته طيلة حياتى ،ولم أقل إلا قليلا سواه----ومما أخشاه هو ان يفرض على الناس نظام صلب، فتجمد فيهم تلك الصفة الرقيقة : مقدرتهم على ابتكار الأراء والفكرالجديد أو اكتشاف الأوجه الجديدة فى الأراء والفكرالقديم ،ويستمرون على ذلك قرنا بعد قرن، إلى أن ينحدر الإنسان ومجتمعه إلى مستوى الحشرات من الجمود----فى المغامرة وحدها حيوية الذهن
الفريد نورث وايتهد.
هل ما جرى ويجري الأن فى لبنان وفلسطين هو اللحظة التاريخية الفارقة التى طال انتظارها ؟ إن دائرة السؤال عندما تكون بين خيارات محددة سلفا لواقع مصنوع ناتج عن قراءة خاطئة ولا يعبرعن حقيقة مكوناته لن يؤدي السؤال إلى إجابة أصيلة، مما يستدعى سؤالا عن الواقع نفسه قبل الشروع فى تحليله عما إذا كان الواقع ليس الا وهما يجب تبديده أولا؟ فواقع منطقة الشرق الأوسط الذى وصل لانسداد تام في آفاقه المختلفة يحتاج إلى إعادة التفكير فى جوهره ليتسنى لناإدراك العلة فيه من أجل أن نتمكن من السؤال عن إمكانية التغييروالسبيل إليها. ومتى يكون التغييرحقيقيا سوف يصنع آلياته التى تنعتق من خلالها امكانات مهدرة قد يستعيد بها الواقع حيويتة الجدلية ليتفاعل مع جيل بل أجيال مغيبة عنه وبه، وقد يكون هذا بالضبط ما تحاول تداركه القوى صاحبة مشاريع الهيمنة فى المنطقة بضرباتها الاستباقية، فواقع وجود فصيلين يعبران عن اكبر مذهبين من مذاهب الدين الإسلامى فى المنطقة يواجهان مشروعا معلنا للهيمنة فى الصفوف الأمامية بالسلاح يبدو مثيرا للتفكير والانتباه، التفكير لكونهما يشتركان فى أنهما نشئا تحت الاحتلال المباشرفي فلسطين /لبنان وليس تحت الاحتلال بالوكالة أوالكفالة كما هو الحال فى مجموع دول الشرق الأوسط، والانتباه لقدرتهم على الصمود تنظيميا وسط محيط مناوىء مكشوف استراتجيا على المستوى السياسى. إن ما يتكشف عن الأحداث التى تجرى الأن يشير فيما يشير إلى قراءة خاطئة لهذه القوى الصاعدة من قبل مراكز صناعة واتخاذ القرار أقليميا وعالميا ويبدو أن هذه القوى الفاعلة المقاومة والمواجهة عليها إعادة النظر فى خطابها حتى لا يساهم فى انسداد الأفق مرة أخرى، فالتيار الدينى كله -لأسباب تكمن فى بنيتة الداخلية- يجب ان يحاول تخطى رومانسية وأسطورية مرحلة الخلافة الأولى كيوتبيا أرضية، فلم يعد أمامه عقود لتطويرخطاباته والتخلص من بنياه المهترئة، فإن كان قد تحقق له الكثير من المد بسب وجوده فى المعارضة أمام نظم انتهى عمرها الافتراضى كمخازن جاهزة للأمداد بكل أنواع الموفقات المصاحبة لاتخاذ اى قرار يخص المنطقة تحتاجة القوى المهيمنة، فإن هذا الخطاب المقاوم لكى يؤسس لنفسه شرعية تستند على واقع جماهيري يجتذب الأغلبية الصامتة عليه أن يقدم نفسه كبديل كفأ وبطرق ينحاز لها قطاع عريض من الجماهير، وإلا فإن الدخول فى العمل السياسى بشروطه الحالية سوف يكون مسارا لمأزقه الحتمى فالتيار السنى التقليدي داخل الشرق الإوسط مكبل بقيود بنيوية أصيلة التكوين وحتى لو وصل للسلطة فلن يعرف ماذا يعمل بها ونماذج الباكستان والسعودية والسودان وافغانستان كدول تقدم نفسها كمطبقة للشريعة وبقية الدول التى يشكل المذهب السنى أغلبية فيها قد تآكلت وتتآكل كل أرصدتها ومصداقيتها بسبب ازدواج وتفكك خطابها السياسى تحت غلاظة ممارسة الهيمنة الأمريكية عليها، وبالنسبة للحركات التى تواجة مشروع الهيمنة فى المنطقة "متعدد المسميات" فإن هذه المشاريع الفاشلة نفسها هى السبب المباشر والفاعل لهذا التغيير، على سبيل المثال حزب الله لم يقدم خطابه الحالى على المستوى السياسى ولم يقم بدوره الاجتماعى ونشاطه المدنى من خلال محاورات دينية فى أروقة قم او عتبات النجف ولكن من خلال صراع مباشر ووجها لوجه مع قوى عالمية وأقليمية مهيمنة على المنطقة ومختطفة لمراكز صنع القرار السياسى فيه ومخترقة لدوائره الأمنية بحيث أنه بدا واضحا للعيان أن جيوش وأجهزة أمن المنطقة تعمل لحساب تلك القوى المهيمنة فى تعاون لم يسبق له مثيل فى كل الحروب التى خاضتها هذه القوى للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية بعد حرب أكتوبرأى منذ ثلاثة وثلاثون عاما لدرجة أن نتنياهو لم يستطيع اخفاء اندهاشه من السلطة الفلسطينية عقب تسلمه أسرار الدولة من بيريز وقال بالحرف : لم يكن هناك كثيرا لاأعرفه، .شىء واحد كان بمثابة مفاجأة لم أتوقعها وهو حجم التعاون بين الأمن الفلسطينى والأمن الإسرائيلى، وهذه نقطة تحسب لهم!!!-1-" وكان ذلك منذ عشر سنوات ومع السلطة الفلسطينية صاحبة القضية المركزية، قد يعطى هذا بعض التصورللظروف المحيطة بحماس و لنوع التعاون بين دول الشرق الأوسط المعتدلة بالمقاييس الأمريكية والقوى المهيمنة فى المنطقة لدرجة-- تهديد المحقق الأمريكى فى جوانتنموا للمعتقلين بإحالتهم للتحقيق فى بلدانهم ان هم لم يتعاونوا فينفذ صبره. إن قوى المقاومة التى تواجه هذه الهيمنة وجدت نفسها أمام حتمية تجويد وتحديث كل آلياتها أمام مواجهة لاحدود لخطورتها وفى ظل اختراق لم يسبق له مثيل فكان عليها استيعاب أدوات وآساليب المهيمن نفسه وإدراك مواطن قوته قبل ضعفه ويعنى هذا فى الأساس دراسته موضوعيا واستيعاب أفكار العصروشروط وموازيين الصراع فيه كما هو الحال مع حزب الله وحماس فقداصبح وجودهما يعتمدعلى تطور وسائلهما وخطابهما بآلية تواجه الواقع أى بقراءته من خلال قوانينه الحقيقية قوانين الصراع وليس خطابات الحقوق فرغم وجود قضية حقيقية وواضحة الحجج والبراهين إلا إن عنصر القوة كان هو العنصر الوحيد الذى سيطر على مسار هذه القضية وما لم تتغير موازين القوة فلا جديد فى هذا الشرق المريض ويظل السؤال عن الواقع له الحاحه المشروع، فى وقت تتخذ بعض التيارات العلمانوية والثقافوية موقف بافتراض حسن النوايا هاملتي البنية -2- وتحاول أن تلبس الواقع أزمتها الوجودية* فى عماء إرادى وهذيان يخلط السفسطه بالسياسه ولا يستطيع القراءة الا من خلال هوامش دفاترالنكسة مكرسا لايقونات تجاوزتها الوقائع ولا تليق الا بالمتاحف ومبشرا بمستقبل مزعزع الرؤية سقيم الوجدان لايستطيع قراءة نصر الله الا من خلال جمال عبدالناصر ولم يقرأ الطفرة النوعية لقتال رجال المقاومة الا من خلال جيش عبد الحكيم عامر، والسؤال المباشر الذى لم يجد اى إجابة هو ما الذى يمكن أن تجنيه القوى السياسية المعارضة من تلك السقطة الاستراتيجبة العالمية والإقليمية التى تحركت لها الجماهير وكيف توظفها إيجابيا بعيدا عن تلك الآفانات الوجودية التى مازالت تبحث عن الذات!؟ وإلى أن تتكشف إجابة نظرية او عملية تظل الشريحة الثقافوية فى منطقة الشرق الأوسط فى متاهة السبيل.
الهوامش ا-1-هيكل المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل- الجزء الثالث ص463 ا-2- يرى كولردج
الشاعر والناقد الرومنسى مشكلة هاملت هى مأساة الفكر، أو مأساة التناقض بين الفكروالفعل، انها مأساة رجل شجاع ذكى تمنعه تأملاته فيما ينوى فعله عن تحقيق ذلك الفعل
* يقول المثل اليابانى: يشير الأصبع للقمر وينظر الأحمق للأصبع