Wednesday, August 09, 2006

الواقع المتبدد


بين الوهم المتبدد والوعد الصادق تشابه أكبر من أن تحجبه فظاعات المجازر، وأعمق من أن تحتويه معالجات التنظير، ليس لأن العدو فى الحالتين كيان واحد بل لأن الفعل فيهما قد خرج عن النص غيرالمكتوب والذى أصبح يلف المنطقة والعالم، ليمثل مرحلة معاكسة بعد أن اُستهلكت حدود فاعلية مابعد الحادي عشر من سبتمبر كحادث تأسيسي ناقص التكوين تلقفته إمبراطورية جاهزة للتدشين وصنعت منه الأسطورة المثلى للدفاع عن النفس ضد المجهول وتهيئة المناخ السياسي العالمي لسياسة حافة الهاوية والذي في سياقه تبنى المشرّع والسياسي الأمريكي مصطلح الإرهاب وأبقاه دون تحديد للاستفادة من سيولة التعريف بحيث يتشكل كما يريد مستخدمه، وهو مصطلح يعود تاريخ استخدامه الحديث إلى هتلر والنازيين في حربهم ضد مقاومي الاحتلال في أوروبا. إلا أن القوى الأمريكية الحاكمة قد أهدرت ما تبقى من زخم الحادى عشر من سبتمبر فى حرب العراق، وفى الوقت الذي تُستنزف فيه مصداقية كل ما هو أمريكى فى زحمة ألاف الأخطاء التكتيكية فى العراق على طريقة التضحية بالجنين والأم لإنجاح العملية والتي اعترفت بها كوندليزا رايس، تتكشف الحرب على الإرهاب كفعل قتل وإبادة واستحلال فى ظل تواطؤ إقليمي عريض، ويظهر للعيان جليا خبل استعمال كلمة حرب في العراق المتهالك على امتداد ربع قرن من الحروب والحصار أمام امريكا وإنجلترا وقوات التحالف.

على خلفية هذه الأحداث جاءت عملية الوهم المتبدد التى كانت ذروة الفعل المُكبّل في فلسطين بعد أن تحولت الأراضي المحتلة إلى ساحة يتم فيها تمزيق ما تبقى من ضمير إنساني فى عرض مباشر وعالمي لأحدث تكنولوجيات الفتك الأمريكى بالأنسان الفلسطينى وبهدف الإسقاط النهائي لمفهوم المقاومة في المنطقة العربية، جاءت عملية الوهم المتبدد بعدما تم الخلط عمدا بين مفهوم المقاومة ومصطلح الإرهاب الزئبقي الذى ترفض الولايات المتحدة تعريفه قانونيا، وبعد شهور وشهور من حرب الإبادة الشاملة لمفهوم المقاومة والمدافعين عنه داخل الأراضي المحتلة عقابا للشعب الفلسطيني على خياره في انتخابات ديمقراطية وسط محيط عربي ودولي تعدى مرحلة الصمت إلى التناسي وتمني زوال الضحية كي لا يؤرق وجودها بقايا ضميره الهلامي، لتكون بعد كل ذلك علامة على تبدد وهم سيطرتهم على الواقع وتجدد طاقة المقاومة رغم إغواءات عقلانية اليأس المتنكر فى ثوب السياسة، والعجز المتخفي بزي الواقعية التى أصبحت تعني الركوع والتوسل، على حد قول وزير خارجية عربى، وتلتها عملية الوعد الصادق في لبنان لتتوالى الأحداث وتضع الأمة أمام أسئلة لن تكون الإجابة عنها على الطريقة الأمريكية باختيار الأجابة الصحيحة من إجابات معدة سلفا بل ستعتمد الإجابة أساسا على الذاكرة وقدرة التفكير التي تم أستئصالها من مواقع صناعة القرار العربي منذ أصبح السلام هو الخيار الاستراتيجي حتى وإن أعلنت علينا الحروب، وهنا يكمن المأزق.

5 comments:

ayman_elgendy said...

السلام قصراً وجبراً هو الخيار الاستراتيجي الوحيد حتي وان فرضت علينا الحرب...........اوجزت فأعجزت

مودتي

علان العلانى said...

فى الحقيقة أنت الذى أوجزت وأعجزت كم أنا سعيد بتعليقك يا أيمن --- أعاد لى تعليقك شجون صحبة الفنان فقد كان يحبك
مودتى

ayman_elgendy said...

امانة عليك يا استاذ علان ان توصل له سلامي ....ان كانت اللقيا صعبة فتدانينا عبرك قد يهون علينا فقدان كلماته

مودتي

علان العلانى said...

متابعات
14/9/2006

صالح النعامي
لا خلاف على أن عملية " الوهم المتبدد " التي نفذتها " كتائب عز الدين القسام "، الحناح العسكري لحركة حماس، و " ألوية الناصر صلاح الدين "، الجناح العسكري ل " لجان المقاومة الشعبية "، ومنظمة " جيش الإسلام "، والتي أسفرت عن مقتل جنديين من جنود الاحتلال واختطاف ثالث وجرح سبعة اخرين، هي العملية الأكثر جرأة والأكثر تنظيماً والأعمق تخطيطاً التي تنفذها المقاومة الفلسطينية منذ اندلاع الانتفاضة الأولى. وقد أعادت هذه العملية المحكمة للأذهان العمليات التي كان يقوم بها حزب الله، مع العلم أن هذه العملية تمت في ظروف أكثر تعقيداً بكثير من الظروف التي كانت تتم بها عمليات حزب الله. فقد دللت العملية على أن التفوق الإسرائيلي الهائل على الحركات المقاومة في مجال التسليح وفي مجال التقنيات العسكرية المتقدمة، لم يحل دون نجاح المقاومين الفلسطينيين في مفاجأة العدو الصهيوني في المكان الذي يزعم أنه من أكثر المواقع العسكرية تحصناً. في نفس الوقت، فقد بات واضحاً أن تشكيلات المقاومة المسؤولة عن العملية قد حققت انجازاً في المجال الذي تزعم إسرائيل دوماً أن لها اليد الطولى فيه، وهو المجال الاستخباري. وكما يقول المعلق الاستراتيجي الإسرائيلي الجنرال زئيف شيف، فأن مخططي العملية ومنفذيها أثبتوا أن لديهم قدرات كبيرة في جمع معلومات استخبارية فائقة الأهمية ساعدت في نجاح العملية بشكل تجاوز كل التوقعات. وحسب شيف، فأن المقاومين لم يقدموا على تنفيذ العملية إلا بعد أن عرفوا كل التفاصيل المتعلقة بالموقع المستهدف. ويعرب يعكوف بيري الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية " الشاباك " عن استهجانه من الجرأة التي ميزت منفذي العملية الذين نفذوا العملية على الرغم من وجود تعزيزات عسكرية كبيرة جداً في محيط المكان. من ناحيته لا يرى الجنرال دان روتشيلد سبباً للشعور بالماجأة من جرأة منفذي العملية، قائلاً " مثل هذه الجرأة هي صفة طبيعية لأناس يتبنون عقيدة دينية إسلامية، لكن المفاجئ بالنسبة لي هي قدرات التخطيط الفائقة التي ميزت الاعداد للعملية ". وتحول قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الجنرال يوآف جيلنات الذي يقع الموقع المستهدف تحت مسؤوليته الى هدف للانتقادات والتشكيك في أهليته، الى درجة المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق للكشف عن أوجه القصور في عمل المستويات القيادية المختلفة.
صحيح أنه من المتوقع أن تجر هذه العملية سلسلة من الردود العسكرية الاسرائيلية القاسية على الشعب الفلسطيني، وقد تطال المستويات السياسية في الساحة الفلسطينية، إلا أنه في كل الأحوال، فأن هناك عدة تداعيات ايجابية لهذه العملية:
- عززت العملية موقف حركة حماس وحكومتها في الشارع الفلسطيني بشكل كبير. فقد دللت العملية للشارع الفلسطيني على أن الحركة على الرغم من تشكيلها الحكومة وانشغالها بالعمل السياسي لم تترك خيار المقاومة، الأمر الذي شكل ضربة قوية للعديد من فئات المشككين بالحركة ومواقفها، والذين اتهموا الحركة صراحة بأنها تركت خيار المقاومة طمعاً في السلطة، وأخذوا لا يتورعون – ومن باب الاحراج – عن مطالبة الحركة بالرد على أي عمل ارهابي صهيوني. ومما لا شك فيه أن العملية النوعية ستساهم في تهدئة التوتر الامني بين حماس وحركة " فتح "، على اعتبار أن هامش المزايدات بين الحركتين سيتقلص الى حد كبير.
- من المتوقع أن تساهم العملية في اعادة تصويب مسار الحوار الوطني الفلسطيني. فقد بات واضحاً بعد قبول حركة حماس وثيقة " الأسرى "، أثر إدخال التعديلات عليها، أن هناك اطرافاً لا تكتفي بذلك، بل تريد التخلص من وجود حماس في الحكومة، بالزعم أنه لا يكفي أن تقبل حماس بوثيقة الأسرى، بل عليها أن تقبل بقيام شخصية من خارج الحركة بتشكيل الحكومة، مبررين ذلك بأن هذه الوسيلة الأفضل لرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من أن حل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية قد أصبح مطلباً وطنياً يفرضه الواقع، إلا أنه و للأسف، فأن بعض الأطراف التي تنادي بتشكيل حكومة الوحدة تفعل ذلك من اجل الالتفاف على نتائج الانتخابات الحرة والنزيهة. وجاءت هذه العملية، لتقول حماس من خلالها لهذه الأطراف أن التمسك بالكراسي ليس هدفاً بحد ذاته، وأن ثمة خيارات اخرى لدى الحركة.
- وجهت هذه العملية رسالة قوية للمجتمع الصهيوني مفادها أنه لا يمكن للشعب الفلسطيني وقواه المقاومة أن يقبل بمواصلة اسرائيل لعدوانها ضد المدنيين الفلسطينيين نساءاً وأطفالاً. ونظراً لأن هذه العملية استهدفت موقعاً عسكرياً، فأنه لا يمكن لدولة الاحتلال وماكنة الدعاية التابعة لها أن تصفها بالعملية الارهابية. فقد قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني صراحة أن استهداف المقاومين الفلسطينيين لجنود الاحتلال لا يعد ارهاباً. ومن المتوقع أن تساهم هذه العملية في تهاوي الاجماع الصهيوني خلف سياسة القمع المتبعة من قبل حكومة اولمرت حالياً، على اعتبار أن هذه السياسة لم تؤدي الا الى تدهور الأوضاع الأمنية بشكل غير مسبوق.
- أكدت هذه العملية للمجتمع الدولي الذي فرض الحصار والعقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني في اعقاب اصراره على تعبيره عن خياره الحرب، كما عكست ذلك نتائج الانتخابات التشريعية، وللدول العربية التي تواطأت في فرض الحصار على الحكومة المنتخبة، أنه لا يمكن حشر الشعب الفلسطيني في الزاوية، وأن لدى هذا الشعب وقواه المقاومة القدرة على اعادة خلط الأوراق بشكل لا تتوقعه الأطراف المتآمرة عليه.
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/CFEF0B00-E9F8-4610-A323-022A1B0DDB04.htm


http://www.islam-online.net/Arabic/politics/Palestine/Topic_05/2006/07/02.shtml


عملية الوهم المتبدد بالتفصيل
________________________________________
الوهم المتبدد ربما تكون اسماً على مسمى –كما يقولون – فهي أضحت كابوسا ، يلاحق الإسرائيليين في أحلامهم فيقض مضاجعهم ، شعباً وحكومةً، ساسةً وعسكر، بل أثرت أكثر من ذلك في كونها احدثت خلافات وانقسامات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ،كون العملية نفذت بمهارة وتقنية عسكرية عالية المستوى تخطيطاً واداء ، بالرغم من وجود الإنذارات الساخنة حولها .

حينما أقدمت حكومة الاحتلال على اغتيال الأمين العام للجان المقاومة الشعبية جمال ابو سمهدانة ، قالت وقتها أن عملية الاغتيال جاءت لتوقف عملية كبيرة وضخمة ضد الإسرائيليين ،وان ابو سمهدانة كان يقوم بوضع اللمسات الأخيرة على العملية التي ستقع في معبر كيرم شالوم أو على معبر رفح البري .

الآ أن استخبارات الجيش والشاباك لم يتوصلا لفك الشيفرة الخاصة بالعملية ، ولم يتمكنوا من معرفة المكان المستهدف ومن القائمين عليها ووقت وقوعها ، بالرغم من التقنيات العالية التي تتمتع بها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية .

ويقول أبو مالك أحد قادة ألوية الناصر صلاح الدين: ان العملية التي نفذت بالاشتراك مع كتائب عز الدين القسام ، وجيش الإسلام ، اعد لها بشكل مدروس ومخطط بطريقة تمكنها من الخروج لحيز التنفيذ بنجاح ، خاصة بعد العمليات الإجرامية التي نفذتها قوات الإحتلال ضد المدنيين والأبرياء واغتيال القادة العسكريين في الضفة الغربية وقطاع غزة ، موضحاً أن التجهيز والأعداد لها استغرق ما يقارب أربعة أشهر فيما استغرق حفر النفق وتجهيزه ستة اشهر.

تخطيط دقيق :

ويضيف أبو مالك حول تفاصيل جديدة عن العملية : بأنه تقرر أن يكون عدد الإستشهاديين الذين سوف ينفذون العملية (معبر كرم ابو سالم ) سبعة مقاومين ، وقد انقسموا إلى ثلاث مجموعات مهاجمة رئيسية ، عدا عن مجموعة الإسناد التي تولت مهمة التغطية على منفذي الهجوم من خلال إشغال الجنود الإسرائيليين بالقذائف والرصاص وقصف بعض المواقع والدشم القريبة من "كيرم شالوم" حتى يتمكن المهاجمون من الوصول بسهولة .

وأضاف ابومالك : أن المجموعات المهاجمة لم تدخل الموقع العسكري عن طريق النفق ، بل دخلت بعدة طرق ووسائل مختلفة وكانت مهامها كالتالي :

المجموعة الأولى : قامت بتفجير دبابة الميركافاة (3) المطورة بعد استهدافها بصاروخ مضاد للدبابات, فيما تحركت المجموعة الثانية تجاه ناقلة جند وقامت بزرع عبوة ناسفة فيها وتفجيرها مما أدى الى تدميرها , و أما المجموعة الثالثة فقامت بالاشتباك مع ثلاثة عسكريين إسرائيليين داخل أحد الأبراج العسكرية قبل أن تدمره بقذيفة (آر بي جي) ".

ويضيف "حضرت تعزيزات عسكرية من جنود الاحتلال فاشتبكت معهم المجموعة الثالثة وأوقعت فيهم قتلى وإصابات فأصيب الإستشهادي محمد فروانة في قدمه مما حدا بزميله الآخر الشهيد حامد الرنتيسي للتغطية عليه تمهيدا لخروجه فصعد إلى برج عسكري آخر واشتبك مع من فيه وفجر نفسه بين الجنود –من اثنين إلى ثلاثة جنود- بحزام ناسف كان على وسطه, وقال أبو مالك أن أخر حديث كان مع الشهيد فروانة عندما كان مصابا بطلق ناري في قدمة ثم بعد ذلك قطع الاتصال به .

وعلى ضوء تلك العملية وماصاحبها من إعلان إسرائيل القيام بعملية عسكرية كبيرة أطلقت عليها " أمطار الصيف "لتحرير الجندي الأسير لدى فصائل المقاومة ،فان مسئولا فلسطينيا يرى أن الساعات القادمة ستكون مليئة بالمفاجآت غير المتوقعة قائلاً :هناك احتمالات مختلفة للإفراج عن الجندي (جلعاد شليط) اولهما: موافقة الحكومة الإسرائيلية على عملية تبادل أسرى يتم بموجبها الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين المعتقلين لدى حكومة الإحتلال وفق شروط يتم التوافق عليه مسبقاً .

ثانياً : القيام بعملية عسكرية كبيرة يقوم الجيش الإسرائيلي بتنفيذها دون النظر للعوامل الإنسانية والأخلاقية متوقعة رد إسرائيلي أكثر قسوة ،خاصة بعد قيام المقاومة بطي ملف الجندي شليط.

ويقول المسئول الأمني أن حكومة الإحتلال تحاول الإستفادة بقدر كبير من الوقت لتحقيق هدفين رئيسيين يقضي الأول بتكثيف الجهد ألاستخباراتي الإسرائيلي لتحديد مكان جلعاد شليط و تنفيذ عملية آنية كبرى لتخليصه فيما يتركز الهدف الثاني على تدمير البنى التحتية الفلسطينية و القضاء على السلطة و مؤسساتها و إسقاط الحكومة الحالية وذلك بالاستفادة من العامل الزمني الذي كلما طال فيه أسر شليط أعطت إسرائيل لنفسها الذريعة بمواصلة الاستهداف".

إنزال جوي لإنقاذ شليط:

ولا تستبعد المصادر الأمنية الفلسطينية الرسمية والمقاومة في ان تقوم قوات الإحتلال بتنفيذ هجوم قوي ومركز من خلال عملية إنزال جوي بالمظلات ، إذا ما استطاعت أجهزة استخباراتها من تحديد المكان الذي يحتجز فيه الجندي الإسرائيلي بالتزامن مع تقدم بري للدبابات وعمليات قصف كثيفة ومركزه

علان العلانى said...

متابعات
18/9/2006

حملات النقد المتعاظمة أوروبياً وأمريكياً ضد النهج البوشي في التعاطي مع الظاهرة الإرهابية والتي توحي، مع هذه الذكري الخامسة للحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، كما لو أن هذا النهج مشرف علي نهايته بسبب فشله المتراكم في أية جولة من جولاته، علي صعيد التنظير والممارسة الحربية والأمنية، هذه الحملات شبه الجماعية والبالغة حدود التجريح الشخصي. وفي بعض وسائل الإعلام الأمريكية نفسها، تصاحبها فجأة، أو ترد عليها محاولات تغيير الاستهداف نحو الاسلام نفسه الذي لم يعد تكفيه نعوت التخلف والظلامية وخلوه من ثقافة الحرية وحقوق الإنسان، بل غدا مسؤولاً عن ذاكرة العنف ماضياً وحاضراً. فيتم تصويره كأحدث تجسيد للفاشية عينها التي هي الخاصية المميزة للهيمنة الأمريكية. فما يفعله هذا الخطاب العنصري المتفاقم علي ضفتي الأطلسي هذه الأيام هو بعث ذلك التبرير العتيق لأشنع عصور الاستعمار الغربي، والذي يحوز أخيراً علي مباركة بابا روما، لتكريس قسمة العالم بين قابيل وهابيل مجدداً.
هذا مع العلم أن الوعي الأوروبي لا يزال إجمالاً محصناً ضد الانجرار الي شراك هذا المدً العنصري المشؤوم الذي انتهي إلي تثبيته وترويجه العقل الاستراتيجي الأمريكي بكل جهد وتصميم، مما يوحي أنه لن ينتهي حتي مع انقضاء الرئاسة البوشية. بل ربما كان هو المغزي البعيد والمقصود من تبشير بوش نفسه، في خطابه الأخير، باستمرار الصراع ضد الإرهاب، أي ضد الاسلام، طيلة القرن الحالي.
إن الهيمنة الكلية علي العالم، تحت يافطة تعميم الأمركة، لن تجد سوي الأديان كمادة لأيديولوجيا تعيد تمييز الأمم بحسب اعتقاداتها الغيبية. فيُستخدم الدين كدافع للعدوان، كما هو في عقيدة المحافظين الجدد المنظرين للحرب العالمية علي الإرهاب، وفي الوقت عينه يستثمر دين الآخرين كعلة لأفعالهم، بل كإدانة سابقة حتي علي أفعالهم. أي أنه من أجل أن تسيطر الأمركة علي عالم هذا القرن ينبغي إلغاء حق الاختلاف بين مكونات الإنسانية، الذي هو أساس الديمقراطية كفكر وكممارسة. إن تديين السياسة علي مستوي العلاقات بين الدول لا يعيد التاريخ إلي حروب القرون الوسطي فحسب، ولكنه سيقضي علي كل مدخل ممكن نحو عصر المدنية الشاملة التي لا يكف فلاسفة أوروبا عن تجديد الثقة بحتمية تحققها. لكن يبدو أن أسباب الإعاقة الأساسية المانعة لهذه الحتمية لا تتأتي من خارج الغرب نفسه، بقدر ما هي ناجمة عن تعثر ثقافة الحداثة نفسها، المنتجة للديمقراطية والحارسة الأمينة علي تطورها العقلاني والاجتماعي، والمصححة لتعثراتها، عبر مواجهتها الدائمة مع نقيضها البنيوي المتمثل في تجذر نزعة المركزة الأوروبية، أو الغربية عامة، وانبعاثاتها المتكررة مع القفزات الاقتصادية الكبري، وبما تثيره من مشاعر الخوف الغريزي ضد كل آخر منافس لمصالح الغلبة الرأسمالية، أو مقاوم لهيمنتها المطلقة. فكلما تضاعفت ثروات الغرب، وحصل المزيد من أسباب العيش الرغيد والرفاهية السهلة، ازدادت هواجس الفرقة مع الآخر، واحتاج الأمر إلي اختراع نموذج العدو المهدد، ومن ثم الانخراط في تحشيد عوامل الحروب الاستباقية واختلاق ظروفها الإقليمية أو الدولية.
الواعون في الغرب الأوروبي علي الأقل يستثنون عقولهم من الانسياق في حمي الشعوذات الأيديولوجية المتجددة. يحاولون ما أمكنهم أن يطهروا ألسنتهم من ترداد معاجم الأفكار والألفاظ المشبعة باتهامات الآخر، المندفعة إلي إطلاق التعميمات السلبية المتسرعة والمغلوطة. قد يميز بعضهم بين إسلامين، أصولي وحداثوي، كأنهم بذلك يسمحون بإدانة الأول، تبرئةً للثاني، لذلك الاسلام الحداثوي الذي لم تحدد معالمه بعد. وإن كان إطلاق عنوانه قد يساعد علي تنمية نصوصه. إنه إسلام الغرب الذي قد تصيبه عدوي الديمقراطية التي يعيش بين ظهرانيها ويتحول إلي قدوة لاسلام الشرق فيما بعد.
تلك هي رهانات مدنية حقاً، لكن كيف لها، وإلي متي يمكنها أن تسابق مشاريع الأمركة والصهينة وحروبها العاجلة وليست الآجلة، والاستيلاء علي القرن الواحد والعشرين!

مطاع صفدي

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\09\09-18\qpt4.htm&storytitle=ffفاشية%20الأمركة%20في%20اختلاق%20%20فاشية%20%20الاسلامfff