صلاح طاهر
مسرحية الفرعون العاري وعبائة الكاهن الأكبر للنظام
الفصل الثاني المشهد الأول
قصة الكاهن مع النظام وعلاقته بإوتاده
عودة الى الصندوق الإسود
هناك أشكالية كبيرة تواجه كل من يكتب عن القوات المسلحة المصرية فهو موضوع مكبل بقوانين رادعه من جهة ومن جهة أخرى معبأ بمشاعر قومية تكاد تكون هستيرية (بداهتها ) التخوين فبعد تأسيس دولة يوليو التى لم يحكم مصر حصراً الا رجال (منها )على رأس القوات المسلحه أو من قادتهاالكبار ، الى جانب واقع أن القوات المسلحة خاضت أربعت حروب كبيرة شكلت مصير مصر وموقعها فى العالم فى فترة زمنية قصيرة فى عمر الشعوب منتصف القرن الماضى من 1948 مرورا 56ثم 67 حتى 73 19قرغم حداثة بنية التكوين للقوات المسلحة المصرية فهي ظاهرة جديدة في حياتنا السياسية ،فلم يكن لدينا قوات مسلحة في عصرنا الحديث إلا منذ وقع هذا النوع من الاستقلال الذى حصلناعليه عام 1936.قبل ذلك عشنا في ظل جيوش غازية وانكشارية وعثمانيين... الخ.. حتى جيش محمد على الذي قامت بقاياه بالثورة العرابية ، لم يكن جيشا حديثا بالمعنى المفهوم. منذ معاهد 1936 بدأ بناءقوات مسلحة مصرية ، وبعد نظام يوليو الذى كان على رأسه ضباط شارك فى حرب 48 أصبح لدينا قوات مسلحة ،وهناك دائما.. حيرة إزاءها وحولها . أنهاأحد مؤسسات الدولة ، ودورها هو حماية الآمن القومي ، ولكن التعامل معها ليس له قواعد مستقرة بعد بسب حقيقة عدم النجاح فى بناء دولة حديثه فيها وسيلة لتدول السلطة لاغبار على شرعيتها وتحت مؤسسات منتخبه على رأسها قضاء مستقل وأعلام حرفاعل فى مواجهة أى فساد، وفى غياب ذلك هناك دائما حساسية شديدة في الاقتراب منها . من المؤكد أن القوات المسلحة هي قاعدةالحكم وهناك حرج وشبه ( تابو) قائم على مجرد التلميح أو مجرد الظنون المشروعة لأى شى يتعلق بها ولكي نغيب ما يكاديكون شبهة قداسة للقوات المسلحة وينزاح بعض من حجم المسكوت عنه فى الاقتراب من موضوع القوات المسلحة كان لابد من ثورة على النظام كله.تشرعن القدرة على تقيمها وهى فى القلب منه. لان التفكير فيها والحديث عنها ، يعنى أننا نتكلم عن قوة السلاح . والناس تريد أن يكون السلاح خارج المناقشات ولكن بعد الثورة أنكشفت طبقة الغطاء المدنى الرقية التى كانت تحيط بالمؤسسة العسكرية الحاكم الفعلى للبلاد وبيضة النظام وبدأ سلاح النظام يستخدم مباشرة فى الدفاع عن النظام وهو سلاح لاينطلق فى الخارج أو فى الداخل الابقواعد صارمة حاسمه من قادته بأوامر لاراد لها عقوبتها الاعدام لمن يمتنع عن تنفيذها
فى بداية الثورة لايستطيع أى محلل أن يصرف نظره عن قاعدة الحكم ولاأن يسائل عن موقفها من ثورة الشعب
فقد بدى مشهد الجيش المصرى غريب للمراقب المحدق بعمق وكأنه جيش من جيوش الأمم المتحدة التى ترابط وتراقب على الحدود بين دولتين أو بين النظام وجماهير الشعب التى خرجت لأسقاطه
إن الصندوق الأسود يتعلق بحقيقة التزامات الدولة المصرية مع قوى الهيمنة في العالم ومنها ماباح به الأستاذ هيكل تخمياً و بحذر كوجود سفارة صغيرة في مصر لدولة نكرة ترتبط بشركة المرتزقه بلاك ووتر وهي مرطبته بفرسان القديس يوحنا ...
وغيرها من معلومات وحقائق تتعلق بالفساد ورجال الظل فى بالقرب من الفرعون و من صناعة القرار السياسي وأهمها ما يتعلق بحقيقة النفوذ الأمريكى والأسرائيلى في تحديد من يحكم البلاد كما حدث فى مساجلته مع مصطفى الفقي سكرتير المخلوع للمعلومات بين عامى 1985وحتى عام 1992 ومنها عن بنود أتفاقية كامب دفيد الغير معلنه وحفيفة ما يجرى فى سيناء
القوات المسلحة قاعدة الحكم وأداة الإجبار في الدولة
. كتب هيكل عن دور القوات المسلحة في مارس 1996 قبل الثورة بخمسة عشر عاما
يقول : (لمسافة بين السلطة السياسية وقوة الإجبارالرئيسية تتسع كلما كان العمل السياسي قويا ويحتل مساحة واسعة . وتضيق كلما انكمش العمل السياسي ، ومن ثم يزداد اعتماد الدولة على القوات المسلحة ). هذا فى حالة وجود نظام متماسك هى فى القلب منه فماذا يكون الحال عندما يتعرض النظام لثورة تطالب بإسقاط النظام نفسه ورجالها هم بذاتهم أوتاده ؟
الصندوق الأسود لطائرة النظام أشار إليه هيكل في حديثه مع عمرو واكد. والصندوق الأسود هو الذي يزود المحققين بالمعلومات المطلوبة بعد تحطم الطائرة لمعرفة أسباب وقوع الكارثة. فبالتأكيد هناك معلومات عن النظام المصري لم يستطيع الأستاذ هيكل أن يتعامل معها أو يقترب منها في ظل بطش النظام وبلطجته.فليس كل مايعرف يقال وليس كل ما يقال معرفة
السيسي والصندوق الاسود
لقد أهتم الرأى العام فى مصر بالصندوق الاسود عندما سقطت طائرة لمصر للطيرن فى ظروف وملاباسات شديدة الغموض تضم 50 من رجال القوات المسلحة عائدين بعد تلقى دورات دراسية وتدريبيه فى الولايات المتحدة وهناك معلومة تقول أن السيسي هو الناجى الوحيد فى هذه الرحلة من كل أقرانه وزملائه الذين كانوا فى الرحلة لتخلفه عنها وبصرف النظر عن هذه المعلومة أو دلالتها فإن السيسي نفسه فى موقعه قبل الثورة كان من المطلعين على كثير مما يحوى هذا الصندوق الذى أوقف عليه هيكل القدرة على إدراك أى مشارك فى صناعة القرار في أى دولة لحقيقة دور الدولة فى أقليمها والعالم والحدود الممكنه لصناعةالقرارالسياسي فيها على ضوء التزاماتها والحجم الحقيقى التى تستطيع أن تأثر به خارج حدودها فى العالم وكل الخطوط الحمراءلممكنها السياسي
هذا هو الموقع الذى كان هيكل يدرى عنه طرف من المعلومات كانت هى سر عدم تفائله الدائم بما يجرى قبل الثورة وكان هو الموقع الذى أخذ عليه كل أهتمامه بعد الثورة ففى الانفجار الكبير للثورة و عندما كان الجميع منفعل بما يجرى والكثيرين فى الداخل والخارج يطلبون منه تفسير ورأى كان هو مشغول بشغفه بالوثيقة والمعلومة وعينه على موقع " خبيئه "النظام فى قلعة العرش الفرعوني والقائمين عليها
مع هيكل ولكن ضد من ؟
ويستطيع أحدهمأن يقول أن هيكل في الصحافة كالمتنبي فى الشعر" ملأ الدنيا وشغل الناس"،فلم تعرف مصر على طول تاريخها المعروف منذ توحيد القطرين كاتب اقترب من مركزالسلطة السياسية فيها بهذا القدر، وعلي امتداد عهود حكم خمسة من فراعنة القرن العشرين في عصور مختلفة ملكي ثم عسكري ثم قومي عربي اشتراكي ثم انفتاحي ثم انحطاطي و فى محيط منطقة مرت بتحولات جذرية فى زمن محدود امتلأ بالمناورات والمؤامرات والحروب والانتكاسات والهزائم والانقلابات وتحولت فيها المراكز إلي هوامش والهوامش إلي مراكز والزعماء الي طراطير والمهرجين إلى قادة والأغنياء إلى فقراء والفقراءإلى أمراء، وفي تحولات فى موازين القوى العالمية بعد الحرب العالمية الثانية وأفول امبراطوريات وبزوغ أخرى وصولا إلي محاولات الهيمنة الأمريكية على العالم، ورغم كل هذا استطاع أن يجلس ويحكي تجربته الموثقة للأجيال القادمة، فقد عودنا الفراعنة أن القادم يطمس أثار السابق ليس فى زاكرة الناس وحسب ولكن بالكشط والتحريف على جدران المعابدر
هيكل كما قدم نفسه بنفسه
"فليس فى حياة الأمة شىء"فات" وشىء "لم يفت"....إن الحاضر ابن شرعى للتاريخ، والغداستمرار متطور لليوم." (هيكل، مقالات بصراحة - الأهرام- بتاريخ ١٦/٠٦/١٩٦١
"معرفة الحقيقة فيما كان، ضرورى لفهم ماهو راهن ولفهم ما هو قادم" (هيكل، سياحة صيف فى الوثائق الإسرائيلية/4) الكتب وجهات نظر العدد الرابع والعشرين يناير 2001.
بين القولين أربعين عام ولكنهما يلقيا بضوء كاشف على رؤية المشارك والمؤسس لبنية هذا النظام الذى يقاوم السقوط وينازع فى أنفاسه الأخيرة أن هيكل يرى ومنذ بداية مفاوضات فك الاشتباك 1973بداية شرخ حقيقي لنظام ساهم فى تأسيسية ومن حينها وهو متأكد من حتمية وقوع كارئه بنيوية فى تكوين النظام لم يطول أنتظاره لها فكانت مظاهرات 77التى عبرت عن كسر شرعية النظام بشدة وكادت أن تسقطه لولا تدخل جيش كان له عند الناس رصيد حقيقى على شرط تراجع النظام عن قراراته التي كانت مفجره للأنتفاضه وفي هذه الأزمه كما يروى ا كان من الذين لجأ النظام لهم لاخذ المشورة
أن العلاقة بين هيكل والنظام ليست فى الحقيقة علاقة عداء قائمه على جوهر النظام فهو يرى للنظام ثلاث شرعيات أولها شرعية 23 يوليو التى أكتملت بالتحام الجيش والشعب فى عدوان 56 وأنتهت بالهزيمه العسكرية في 1967 ثم رممت بقرار (شعبي) فى مظاهرات رفض التنحي عجز هيكل حينها عن تفسيرها أو قراءتها وهى شرعية مشروطه بزوال أثار العدوان استمرت عبر السادات التى دعمها بقرارالحرب فى 1973وأعطى لنفسه بعدها الحق فى بناء شرعية جديدة بتفريغ النظام من خطابه الناصري والقومي والبدأ فى أحياء خطاب مغاير قائم على شرعية حرب أكتوبر ، ملخصه أكتوبر أخر الحروب والسلام هوالخيار الاستراتجي بضمانة ورعاية الولايات المتحدة الامريكية الذى قرأ مبكرا أنهاحسمت الحرب الباردة ، كان هيكل يرى عقم هذا الخياروطيش هذه السياسة وحتمية تدميرها للنظام وللمنطقه كلها ولم تستقرالأمور حتى كانت ذروتها بأغتيال السادات وبداية عصر مبارك الذى لم يتبنى أى سياسةبديله وظلت القواعد الذى رسم بها السادات سياسة الدولة والعلاقات والاتفاقيات التى ترتبت عليها هى جوهر نظام مبارك حتى قيام ثورة 25 يناير لقد عكف هيكل فى سنوات ماقبل الثورة وفى برنامجه مع هيكل على تحليل الشأن المصرى فى حلقات مسجله على أمتدادأعوام وكان قدم قدم فى مجلة الكتب وجهات نظرالشهرية ومنذ عددها الأول وعلى أمتدا ما يقارب العشرة أعوام مقالات لم تنقطع الا مرات معدوده خاض فيها فى الشأن المصرى والعربى والعالمى وبعدها قدمحلقات مع هيكل فى الجزيرة على امتداد سنوات الى جانب تحليله للشأن الجارى عرض موسع ومدعوم بالوثاق عن حروب مصر بدأ من 48 و56 وفيها أعادة شرح وتطوير رؤيته كما جائت فى كتاب ملفات السويس والأنفجار ثم فيما كتبه في عروش وجيوش بأضافة ما استجد من وثائق وما كشف عنه من معلومات وما أضافت اليه الاصدارات والمراجع العالمية ثم كانت مهمته المؤجله وتنفيذ وصية صديقه بفك طلاسم حرب 1967 وحرب الاستنزاف ثم معركة تحريك منصات الصواريخ ووضع خطط حرب أكتوبرحتى وفات جمال عبد الناصر
الطقوسوالفصول
بين خريف الغضب وحديث رياح الخماسين لهيكل بعد "ثمانى شهور من بداية الثورة " مسافة زمنية تقترب من 30 عام فما الذى جعله يستخلص من الربيع خماسينه فلنرى ماالذى بث الخماسين فى هذا الحوار فالحوار مهم بشرط قراءة هيكل قراءة نقدية فلا يخلورأى من هوى وهيكل ورغم الحرص على الموضوعية ينطق عن الهوى حتى لو كان هذا الهوى يصدر عن وطنية حقيقية وحب حقيقى لمصر ولكنه يقوم على رؤية للدولة تكاد تكون مقدسة فى مقابل رؤية عن الشعب فرعونية الهوى والبنية
الهوية وخلاسية الأنا
إذا كان الدكتور المسيري رحمه الله اهدى موسعته التى امضى عمره فى تحريرها لمحمد حسنين هيكل وصفا له بالمفكر والأديب والصحفي الأستاذ محمدحسنين هيكل الصديق والمعلم فليس عندى ما اضيفه الا والعاشق لمصر المفتون بها ،مثله مثل جمال حمدان راهب الجغرفيا وأن كان كل منهم له فى رهبانيته شجون وكل منهم له مع الشعب المصرى موقف ورؤية أقول : احب ان اوضح بداية اننى ما كان لى ان اقدم هذه القراءة والتنقيب في "بنية الخطاب الذى يشكل وعي هيكل " بدون قراءة معظم أعماله قراءة دقيقة على مدى ربع قرن من الزمان فهذا الحوار يستحضر رؤية هيكل كما تتبدي فى روايته المكتوبة والموثقة بأعلى درجات التوثيق منذ ايران فوق بركان وحتى كتيب الإستئذان فى الانصراف الى جانب مقالاته فى الأهرام فى منذ مرحلة ما بعد 1952 حتى مقالاته فى الكتب وجهات نظر الى حلقاته فى القنوات الفضائية المختلفة وأهمها حلقات مع هيكل التى انتهى فيها تقريبا من وعده ومهمته فى تقديم شهادته على ماحدث وفك طلاسم هزيمة 1967 وتفكيك شفرتها الوجدانية التى اثقلت على وجدان الإمه كلها وبهذا اتم وصية رفيقه وصديقه جمال عبد الناصر بان يجلس ويروى قصة وحقيقة الصراع وقد وفى ولكنه وفى التمهيد لهذه الرؤية والرواية الى جانب الامانه التاريخية قال انه يتقدم بها الى شباب قادم فى المستقبل لم يقدر هو أنه سوف يشهده ولكن كما يقول المثل الانجليزى
be careful what you wish for, lest it come true
في حوار وار الخماسين
يتكلم الأستاذ ليس بوصفه صحفى ولامحلل سياسي فهذا رجل ناب من أنياب العرب بتعبير ما قبل الإسلام وعندما تكلم هيكل تكلم فى سياق من إدرك الثورة ولكنها أستغلقت عليه والسبب فى ذلك لا يعود الى نقص فى المعلومات ولا غياب الادوات التحليلية أو تأثر القدرات العقلية بحكم السن بل هى مشكلة خطاب هذا هو ممكنه السياسي فبنية الدولة هى الجوهر السياسي فى هذا الخطاب لاالشعب
نهاية المشهد الأول من الفصل الثاني
إنني أحب قيادة السفينة أثناء العاصفة
الملك فاروق