Thursday, December 28, 2006

تدوين --- ذكريات قديمة و حديثة للبيع


أعادت إلي قصة حقيبة والد الكاتب التركى أورهان باموق التي بنى عليها خطابه بمناسبة استلامه جائزة نوبل هذا العام ذكرى ما حدث معي منذ عدة سنوات، عندما كنت أقوم بمتابعة بعض الأعمال مما استوجب السفر إلى عاصمة عربية، واستدعت الإجراءات الروتينية إقامة أطول أتاحت لي الإنصات المباشر للأماكن والمواطن التاريخية والتماس الأثر لبقايا الوشم فى ظاهرالمكان وعبق باطنه، وصادف أمام الفندق الذي أقمت فيه مكتبة تعرفت على مديرها وسرعان ما وجدنا بيننا أصدقاء مشتركين من الكتاب والشعراء وفي أحد المرات كنت خارجا من المكتبة فاقترب مني شاب في العشرينيات من عمره عارضاً عليّ رزمة أوراق، لم استوعب الأمر وأخذتني انتباهة حرص وتوجس وعندما استعدت تقديري وتقييمي للأمر ونظرت إليه متسائلا فألح برزمة الأوراق، ظننته يعتقد أنها أشياء تخصني قد وجدها فقلت له هذه ليست أشيائي فأصر ملحا أنه يعلم ومد يده بالرزمة المطوية فأخذتها بطريقة آلية وفتحتها بعين على الأوراق وعين تلاحظه ووجدت مجموعة من الصور وقليل من الأوراق والخطابات ، تبدو الصور لأصدقاء فى رحلة تملأها البهجة وصور التقطت داخل أستديو تقليدى للتصوير، وكان هو أحد الشخصيات المكررة فى كل هذه الصور، مرة بزي تلك الدولة القومي ومرة بهندام عادي، سألته مباشرة: إنته ده؟ فقال: نعم. نظرت له وحزمت الصور والأوراق والخطابات في يدي وقد تكامل الحذر وتغلب على الدهشة، ظننته مصورا كهؤلاء الذين ينتشرون في الميادين فى مصر ولكنه لم يكن يحمل كاميرا،ظننته مخبولا أو مسطولا، نظرت حولي باحثا عن كاميرا خفية ثم سألته: هل تعرفني؟ قال لا، قلت له بصراحة مش فاهم؟ عاوز إيه يعني؟ فقال هذه صور للبيع، ويبدو أن مدير المكتبة لاحظ ما يدور وخرج متسائلا ولكني أبديت له شكري وأومأت له برأسي أن لا حاجة لتدخله، وأخذت الشاب جانبا إلا أني لاحظت أن مدير المكتبة ظل واقفا من داخل المكتبة يتابع الأمر—سألت الشاب لماذا تعتقد أنني من الممكن أن أشتري هذه الصور؟ نظر إلي وبدا كأنه يفكر ولكن لم يجب قلت له بقصد استنطاقه: طيب والأوراق دي أعمل بيها إيه؟ ظل ناظرا إليّ وكأنني أساومه على سعر واستدركت سريعا أن الشاب قد يكون وجد فى ذلك أسلوبا مبتكرا لطلب المساعدة المالية، ارتحت لذلك التفسير ووضعت يدي في جيبي وقمت بإعطائه رزمة الصور والأوراق بيد وما أمكنني الاستغناء عنه حينها باليد الأخرى متعجبا ومقدرا في نفس الآن للوسيلة ولكن المدهش أنه أخذ ما أعطيته له من مال وأعاد لي رزمة الأوراق والصور بإباء وأصرار عجيب لا راد له، مستنكرا فعلي ونافيا عن نفسه التسول، وتاركا إياهم فى يدي، وذهب وبقيت فى حيرة من أمري، وظللت طيلة وجودي فى تلك العاصمة أقلب فى مجموعة الصورالكثيرة وأحاول قراءة ما يمكن أن يقرأ منها، كانت صورا له فى أعمار مختلفة، وهو طفل ثم صبي ثم شاب، مع عائلته وأصدقائه وزملائه، أوراق بها رسائل منه يرد بها على رسائل وصلته ويبدو انه كتبها ولم يرسلها، إلى جانب بعض محاولات الكتابة بين النثر والشعرالمقفى عن قرية له على الطريق للمدينة يبدو أنها قريته، المهم أصبحت فى كل مرة أخرج فيها آخذا معي رزمة الأوراق بعد أن وضعتها فى مظروف كبير متوقعا مصادفته في نفس المكان بعدما تأكدت أنه غريب من صاحب المكتبة الذي أعطيته صورة من الصور الواضحة لذلك الشاب وطلبت منه أن يسأل عنه البائعين الجائلين فى المكان وقد تعرف أحدهم عليه قائلا أنه أمضى يومين يتسكع في وسط المدينة ولكنه كان غريبا عنها، وبقيت ما تبقى من مدة أتأمل أحيانا في رزمة هذا الشاب وكل الدوافع المحتملة لفعلته العجيبة: السذاجة-الخبل-الحاجة-الدهاء-النصب-الجنون-التسول. بعدما انتهت الإجراءات، ودعت الأصدقاء ومنهم صاحب المكتبة وتركت معه المظروف الكبير برجاء إعادته للشاب إذا ظهر مرة أخرى ومساعدته إن أمكن-- لقد باع لي هذا الشاب فى الحقيقة مسألة للتأمل انتقلت من ذكرياته الخاصة لتصبح سؤالا حيا على هامش الذاكرة لم أحاول أبدا بعد ذلك أن أحاصره بالبحث له عن أسباب.

Saturday, December 09, 2006

مقاومة التذكر فى مولد النسيان


لبنان
أول مطبعة في العالم العربى
يحكي الشاعر أحمد فؤاد نجم فى مذكرات" الفاجومي " أنه أثناء التحقيق معه فى أحد القضايا الملفقة له من قبل أمن الدولة تحاشى المحقق النظر في عينيه لشعوره بنذالة ما يفعل وانتبه الشاعر لهذا فقال له انظر فى عيني يا فرحة أمك بيك وانت بتلفق تهم، لا أدرى لماذا أتذكر هذه الحكاية عندما يطل وجه كمال جلياط أو السنيورة أو وجه هذا الذى لا أدرى علاما يجعجع!!؟؟ ومن فضائل الأزمات حتمية الفرز، ورغم أن الفرز مفروز من أمد إلا أن ما يحدث فى لبنان تخطى حدود السياسة إلى الوقاحة وإن كان لدولة مثل الولايات المتحدة ممارسة الوقاحة السياسية مستندة لقوة إمبراطورية ذات مشروع هيمنة على العالم، إلاما يستند هؤلاء الوكلاء وقد استنفذت وقاحة السياسة الصهيوأمريكية ركاكتها وبدأت تستعد لتمرير خططها البديلة والتى قد تبدل الحلفاء أنفسهم، فما يحدث فى لبنان واضح وغير ملتبس، هناك مربع أمريكا وفيه تقف إسرائيل ومصر والسعودية والأردن والتابعون وتابعوهم فى لبنان حتى فلسطي، وهناك مربع المقاومة فى لبنان والجبهة الوحيدة لا أقول الصامدة ولكن المعترضة على مشروع هيمنة لا يرى بديلا عن الانبطاح التام ويضم إلى جانب المقاومة اللبنانية حماس- حتى الأن- وسوريا وإيران وبعض الدول والقوى فى العالم مثل الصين التى ترى أن سقوط المنطقة يعنى إغلاق أفق المستقبل أمام طموحها- المشروع والمستحق والممكن- في نوع من التوازن العالمي، وتلك الجبهة تثق أن شعوب المنطقة لا تتفق مع ما يجرى ولكنها تبحث فى تلك المتاهة عن سبيل وعليها فى النهاية حسم هذا الصراع الوجودى بانحيازها لما يحييها كأمة مثل باقي الأمم تستحق المشاركة فى صنع مستقبلها ومستقبل أبنائها. يدرك الصهاينة أن هذه لحظة فاصلة سيكون لها ما بعدها والمتابع للحوار الداخلي فى إسرائيل يلاحظ أنهم فى هذه اللحظة التاريخية يدركون أنهم فى مرحلة مختلفة تحكمها موازين مختلفة وأن دورهم لم يعد له نفس الأهمية بالنسبة للقوى العالمية التي لا تتساهل أمام رغباتهم إلا فى إطار منظومة مصالح محددة المعالم، وهذا ما تكشفه الوثائق المتوفرة وتجليه السياسات القائمة
وبــــــعد هناك مواقف دقيقة تفاجىء المهتم بالشأن الجاري وتحتاج لنوع من الكتابة يعارضها مع بعض أوهام الحداثة ومنها ضرورة حظر "التحيز" تلك الكلمة التى أصبح لها أثر الاستجابة الشرطية الواعية و اللاواعية فكلمة التحيز تستدعي كلمة الموضوعية وكلمة الموضوعية تستدعي كلمة المنهج وكلمة المنهج تستدعي كلمة العلم وبين العلم والحداثة علاقة نسب ووجود لهذا هناك نوع من من التدافع والإزاحة بين الحداثة من جهة والتحيز من جهة أخرى و لهذا فكثير من النصوص التى تحاول التواجد داخل نفوذ سلطة الحداثة تحاول نفي التحيز عن نفسها واسقاطه على نصوص أخرى تريد ان تنفي او تخلخل سلطتها، وقد انتبه جادمير فليسوف التأويل الألماني إلى أن أكبر تحيز مسكوت عنه هو تحيز الحداثة ضد التحيز وموضع الإشكالية هنا هو الإنسان هذا الكائن الفريد واستعصائه على أن يحتويه نظام لهذا فهناك فى تاريخ الأمم والشعوب والمجتمعات و الأفراد مواطن لابد أن يستوطنها التحيز كفضيلة ووسط ذهبى بين التعصب والتخاذل،وعلى سبيل المثال فقد تحيز الرسول صلوات الله عليه لحلف الفضول رغم أنه إفراز لبنية جاهلية وذلك لإنه قام على إحقاق الحق لمن لا يستطيع ضد هيمنة وتعسف الأقوياء وقال صلوات الله عليه :لو أدعى به في الإسلام لأجبت
ولعل ما يحدث فى لبنان الأن يعطي إجابة على ذلك السؤال الذى طرحته فى بوست الوهم المتبدد متاهة السبيل وإنتاج الأسئلة أثناء الحرب الدائرة فى لبنان والتى قامر الكثير على أنها سوف تنهى مقاومة حزب الله واندفعت دول كبيرة بمحلليها وأبواقها الى جانب من أسميهم راصدي الأجواء الذين يميلون مع الهوى حيث يميل وهوى المنطقه صهيونى: هل ما جرى ويجري الأن فى لبنان وفلسطين هو اللحظة التاريخية الفارقة التى طال انتظارها؟ فما يحدث فى لبنان الأن أخطر فى نظر القوى المهيمنة وذيولها مما حدث فى الحرب من كشف الغطاء عن سماء إسرائيل وعن عوراتهم الاستراتيجية، فها هي المقاومة تعمل اليوم على مقاومة العدو الأكبر حكوماتنا وعلى تمليك الجماهير لما هو أخطر من كل أسلحة العالم تمليكهم نموذجا لتحويل الحرية من حلم إلى واقع وكيف أن كل رجل وأمرأة وصبي يستطيع أن يكون له سهم في إسقاط الحكومات العميلة وكنس هذا الركام الفاسد المتخاذل خارج لعبة الانقلاب العسكرى.

هذا وقد جرت مياه كثيرة تحت الكثير من الجسور ويبدو أن ما جرى إن لم يكن اللحظة التاريخية فكأنها هي لهذا استمرت الحرب ولكن بوسائل أخرى وكل من تابع ويتابع باختلاف موقعه ومرجعياته وقناعاته يلاحظ عدة ملاحظات منها 1) خلو أوراق الأمم المتحدة من إسم حزب الله وكأن إسرائيل كانت تحارب السنيورة 2 )ارتباك المجموعة العربية المنبطحة أمام صمود المقاومة 3) إنفراط وتداعي الأجندة الأمريكية فى المنطقة 4 ) ظهور الصين لأول مرة فى هذا الصراع الأقليمي من خلال الصاروخ الذى دمر المدمرة الإسرائيلية 5) وعودة السلاح الروسي الفعال من خلال صاروخ مزود برأس مزدوج أدى لتكسيح جيش الدفاع بتدميره للمركافا، والأهم من السلاح هو الإرادة والإدارة التى أنفذته وجهوزيتها واستيعابها لموازين القوى، هذا وكنت أستشعر مقدار الزلزال الاستراتيجي الذى فاجئت به المقاومة ثوابت سياسة الانطباح والانخذاء (ما بنا طاقة لامتشاق الحسام) لهذا حرصت أن أضم إلى ما كتبته فى البوست مجموعة من المتابعات والمداخلات وأحيانا التعليقات منها على سبيل المثال ما كتبه المفكر محمد شاويش بتاريخ 14/9/2006 وماكتب الأستاذ مطاع صفدى بتاريخ 2/10/2006 وغيرهم فى حينها وتعمدت ذلك الى جانب التعليقات تحسبا لتوابع هذا الزلزال وما سوف يمارس من تغييب على تسلسل الأحداث وممارسة كل أنواع التمويه والتضليل والبهتان لملافاة تلك الكبوة العريضة للنظم العربية لقد عجلت هذه المواجهة بأمور كثيرة منها أسئلة كانت تدور على سبيل المثال فى إسرائيل بعد حرب تحرير الكويت وانتباه المفكرين فيها للتغيرالاستراتجى الذى يمس المحيط المتحرك من حولهم وكانت أحداث سبتمبر إشارة البداية لتوفيق أوضاع جديدة وجاء ارتباك وانسداد الأفق أمام الإدارة الأمريكية فى العراق لتجد إسرائيل نفسها مكلفة بمهمة تهيأت لها لتفاجىء بأن تل أبيب نفسها على محك اختبار الصواريخ الإيرانية وهنا نأتى لموضوع إيران تلك الآحجية أو اللغزالمستحكم الذى يتراوح متانثرا فى سيل من المقالات التى تأخذ إيران فيها مقعد إسرائيل فى المنطقة كخطر يزعج من أوثقوا عروشهم وكراسيهم بالسلام كخيار إستراتيجي وحيد والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا التخوف من إيران هل نفوذها يزاحم نفوذ عربي إقليمي له وجود أصلا ؟ وعندما يتكلم المتخوفون من إيران عن تحالف بين إيران وأمريكا فى أفغانستان والعراق نتسائل إذا كان ما يسمى بالوطن العربي بدوله الشقيقة والصديقة والعظمى والكبرى والصغرى ودويلاته ومحمياته البترولية كلها ما عدا سورية وجنوب لبنان وحماس هى دول منطبحة وخاضعة بالكامل للهيمنة الأمريكية كما يعرف حتى أطفال الوطن العربى فما معنى الخوف من تحالف بين إيران وأمريكا ؟؟؟ فمثل هذا التحالف يكون ضد من؟؟؟ هل سوف تتحالف أمريكا ضد أمريكا إن الصداقة والخصام والعداء قد يكون فى عالم المصاهرة لا في عالم السياسة فالدائم فيها هوالمصالح، وقيام الثورة فى إيران غير التاريخ مما أدى إلى تغير فى الجغرافيا حولها لقد وجدت إيران نفسها بين جارين سوريا من جهة وأمريكا من كل الجهات الاخرى من خلال الواجهات أو النظم العربية وهذ حتى قبل حرب الخليج الأولى، أقول هنا لايمكن الحديث عن عداء مستحكم بين أمريكا وإيران فلا تعرف السياسة مثل هذا ونسأل هنا هؤلاء الذين يدافعون عن نفوذ عربي موهوم لأن النفوذ الوحيد والمقيم فى المنطقة هو نفوذ إسرائيل التى أخذ منها وزراء الخارجية العرب إذن دخول بيروت أين على سبيل المثال مقاطع الاختلاف بين السياسة الأمريكية والسياسة العربية فإذا كانت علاقة أمريكا بالدول البترولية علاقة وجود فهي من يستخرج البترول ويحميه وهى فى نفس الوقت زبونه والزبون دائما- كما تقول قاعدة التجارة الذهبية- على حق وإذا كانت العلاقة بين بقية الدول العربية وأمريكا هى علاقة السيد بالعبد وكلنا يعلم من السيد ومن العبد، فعندما تريد إيران لنفسها موقع وهذا شىء مشروع وبديهى لكل أمة تحترم نفسها فى هذا العالم فمع من تتحاور سواء كان الحوار بهدف التحالف أو المناورة أو الصراع، مع السيد؟ أم مع العبد؟ إن عداء العرب ليس لإيران بل لأنفسهم والمراقب يرى أن إيران ترى فى عداء العرب لها ما رأى جرير فى توعد الفرزدق لمربع عندما قال :
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا– فأبشر بطول سلامة يا مربع

إيران تعرف ماذا تريد ومن يعرف ماذا يريد يصل ولو بعد حين إذا امتلك من الإرادة والعزم ما يساوي ما أراد، ولكن على كل امتداد ما يسمى بالوطن العربي: هل يعرف أحد ماذا يريد بالضبط؟