الغرق فى متاهة
وتفاصيل الفعل ورد الفعل السياسي تحت وابل الموجات الثورية التى ترتطم بصخرة الواقع اليومي هو نوع من
التشتيت الذي تخطى حاجزالطبيعى الى تكتيك يستعيض عن الاسلحة الثقيلة بمئات
الألاف من السهام الصغيرة بهدف تفكيك الخطاب الذى بلورته الإرادة الشعبية ، ويشكل
حجاب للرؤية خلف هذا الفعل الثوري؛ وهنا فالارتكان الى مصادرتأثير غير غائبة الهوى
والقصدية والتمويل و تلتقط من عموم المشهد ما يساهم فى تحقيق مصلحتها سواء كانت
مشروعة أو غير مشروعة وتضع فى المقدمة ما يعبرعن تلك المصلحة مستخدمة كل وسائل
العصر التقنية فى صناعة الرأى العام وأجتذاب المتابع الى رؤيتها وفى تلك المحاولات
"المستمرة" كما هى "الثورة " تتقلص الرؤية فى اليومى بل فى
اللحظى ما يؤدى الى فصل الكتلة النشطه على سطح الثورة عن جسد الإرادة الشعبية وتهيئة
المجال لتيار"مناسب" يركب موج الثورة ومنذ خلع الفرعون وخلخة أوتاده
ومحاولة اسقاط نظامه القابع فى دولايب الدولة وعقب تحالفات الميدان الأولى سارعت
كل القوى المحلية والأقليمة والعالمية لتدارك تركة المخلوع وشبكة تحالفاته
وتعاقداته الدولية ما يتخطى الشأن الداخلى الى الموقع الجيوسياسى لمصر وأثره فى
الأقليم والعالم تحت إدارة قوى الهيمنة ومصالحها الحيوية وافضى هذا الى ثلاث مسارت
متوازية مسار داخلى ومسار أقليمى ومسار دولى ولفض اشتبكات تلك المسارات .والنظر في
ما يحدث الآن والساعة فى الصراع الدائر بين القوة السياسية التى أنتهت اليها رمية
تماس كرة السلطة من المؤسسة العسكرية الى
رئيس منتخب على رأس تيار أسلامي."و قد " يساعد التحديق فى "المتروك من الجاري ليعرف " فى تلمس المسكوت عنه لغيابه عن الحضور على ساحة العرض أو
تغيبه وتعتيمه وتهميشه فى خلفية المشهد الثورى، وإذا تأملنا ودققنا فى النهج الذى تتعامل
به النخبة السياسية والنشطاء مع إدارة مرسى للبلاد تبدو البصمة الأمريكية أوضح
البصمات فعملية التفتيش فى نوايا مرسى شبيه بنهج الولايات المتحدة قبل غزو العراق وذريعة
البحث عن اسلحة الدمار الشامل فى غرفة نوم صدام حسين التى كان للبرادعى فيها دور
أستحق عليه جائزة نوبل، وبصرف النظر عن علاقة الولايات المتحدة كقوى عظمى بنظام
المخلوع وجيشه ودولته وحقيقة مصالحها الحيوية فى المنطقة تظهره بصمتها أوبالأحرى أصابعها
الخمس قابضه على زمام المشهد السياسى وحامله لصفارة الحكم، ينطلق جوهر العمل السياسى
للنخبة و"النشطاء" على اساس فرضية شبه مؤكده توصف الأخوان المسلمين كجماعة
شبه سرية تمارس التقية وهدفها بعد الوصول الى
السلطة أعادة صياغة المجتمع على مبادىء مؤسسها الأول متبنية خطاب جاهلية المجتمع وأنحرافه
عن قواعد الأسلام كما صاغها وتصورها سيد قطب فى كتاباته الأسلامية وأن صرعها مع نطام
الدولة المصرية منذ ما قبل ثورة يوليو وحتى ثورة الخامس والعشرين منفصل عن صراع التيارات
المدنية والحقوقية مع ذات الدولة .ويترتب على ذلك مجموعه من القناعات تتلبس خطابها
يمكن أجمالها فى نقاط ستة :
(1) الإخوان المسلمين يستخدمون مرسى ونجاحه
فى أنتخابات شرعية بطريقة غير شرعية للتمكين وأخونة الدولة .
(2) صراع الإخوان مع أجهزة الدولة يهدف الى
الأستيلاء على أدوات قمع دولة المخلوع الثلاثية المترسبه فى بنية مؤسساتها التشرعية
والأمنية والقضائية وأعادة تفعليها وترسيخها أخونيا ومصادرة الحقوق ووئد الحريات وأضطهاد
الأقليات .
(3) تحقيق مرسى أى نجاح داخلى أو خارجي سيترتب عليه تفعيل أخونة الدولة .
(4) الارتياب فى تركيبة الولاء الوطنى
لجماعة الأخوا ن المسلمين، كمسلمين مصرين وليسو مصرين مسلمين .
(5) التيار الأسلامى طبقة مصمته ديماجوجية المعتقد خالية من التنوع وتبطن خطاب فاشى يعود الى مرحلة
ما قبل الحرب العالمية الثانية مقحمه على مدنية القرن الواحد والعشرين وغير مؤهلة للتعامل
الأقليمى والدولى .
(6) أعادة النظرفي السياسة الخارجية لنظام
دولة المخلوع وتعاقداته الدولية مسكوت عنه عمدا حتى تكتمل مرحلة الاستحقاقات
الثورية التى خلت من الأشارة اليه تماما
ترتب على هذه القناعات المرصودة فى
خطاب النخبة والنشطاء حزمة من ردود الأفعال منها:
(1) العمل على أفشال مرسى هو عمل ثورى ولا يستدعى
مقاربه مختلفه عن نهج أفشال "حكم العسكر" الذى ساهم فيه تيار الأسلام السياسي
مساهمه ثانوية وانتهازية ومتطفله حصد بها أول طرح لثمار الثورة
(2) هناك مصلحة ثورية فى التخلص من إدوات قمع
دولة المخلوع وشل قدرتها على تسويف تنفيذ الاستحقاقات الثورية التى سيترتب عليها ترسيخ
وتعميق النهج الثورى ولكن تلك الإدوات ورموزها تشتبك ويتموقع جزء منها فى جانب الصراع
ضد دولة الأخوان وتقامر على أفتقار النخبه لكوابح أجرائية مرنه داخل دواليب الدولة
لفرملة عجلة التمكين المتحسب منها ما شكل نوع من الغموض والارتياب فى ظهور تلك الرموز
فى عمق الحراك الثورى جنبا الى جنب مع رموز أرتبطت أرتباط وجودى بالثورة
(3) رغم أنه من أول يوم لأعلان فوز محمد مرسى بمنصب رئاسة الجمهورية بدأت
على الفور عملية تقليم وأنتزاع الجانب الفرعونى للمنصب وتعرية مقام هالة الفرعنه المصاحبه
للمنصب الا أن المبالغة فى التأكيد على ذلك شابه نوع من المسرحه كأستحقاق ثورى بدأ
بالمحاسبه على كل نفس تنفسه فوق كرسى الرياسه ثم بالمبالغة والتعامل معه على اساس أنه
وسيط بين الجماعة والشعب وليس رئيس جمهورية منتخب فحمل فوق كاهله الى جانب مهامه الرئاسية
مسؤلية كل تعثرات وترهات وأخطاء تيار الأسلام السياسي بكامله وعملية شيطنة مرسى فى
بضعة شهورمرت بمرحلتين ما قبل العدوان على غزة وما بعدها ، وكان نجاحه فى أحتواء أنفجار
الصراع على الحدود فى قطاع غزة بعد كسر الجيش الأسرائيلى الهدنه مع حماس ومقاومة
الشعب الفلسطينى المذهلة أمام الصلف الصهيوني وقدرته لأول مرة على ضرب تل أبيب
بالصواريخ فى نقله نوعيه اربكت المجتمع الدولى ما ترتب عليه اشادة دولية بدور مرسى
وإدارته فى أنهاء الازمة ألا أن هذا النجاح بالذات كان له مردود عكسى لعدة اسباب
منها أنتماء حماس الأخواني ومنها تراكم خطاب تجريمى لحماس الى جانب حملات ساهمت فى
تشكيل خطاب أرتياب فى نوايا المنظمة وتشوية صورتها كقوة تحريرومقاومه منذ فوزها الكاسح
فى انتخابات عام 2006 الى محاولة تصفيتها بتدبير عملية كنيسة القدسين من قبل نظام المخلوع
قبل الثورة حاول "الرئيس مرسى" استخدام هذا النجاح الأقليمى داخليا وفى أوج الاشاده الدوليه به ،فى صراعه مع
مؤسسة القضاء كضربه استباقيه على مازعم بوجود مخطط وشيك لاسقاط الشرعيه عنه بادره هو بأعلان دستورى أشعل كل الأضواء الحمراء
وشكل طلقة الأنطلاق لتحفز ينتظر ويتحسب لعوارض الفرعنه وفى ضجيج وتداخل الأزمة مررت
عملية خلط سياسية سمحت بدخول عناصر مدانه ثوريا فى عمق المشهد الثورى ما كان بالتالى
له اساهمه فى تفعيل الريبه على المستوى الشعبى فى الرموز الثورية نفسها
(4) عندما أغتالت الدولة مرشد جماعة الأخوان
المسلمين فى ذروة الصراع مع الجماعة والنظام فى العهدالملكى كان لابد من تغطية هذا
العمل ضد جماعه أحترفت العنف وقامت بتنظيمه
كأداة سياسية تخالطها عقيدة ، فقامت حملات متعددت الجوانب تشرعية وقانونية وصحفية وبوليسية طويلة وشديدة الكثافة لشل قدرة الجماعة على الفعل بين الجماهير وتضيق الخناق عليها وتشويه
قادتها ونزع الشرعية السياسية عنها ورصد كل تحركاتها وأختراق التنظيم رأسيا وأفقيا،وتلك
بداية رحلة الفصل والغربه بين كيان الجماعة والنسيج الرسمى للواقع السياسي وتعمق هذا
الفصل والأغتراب بعد اندلاع أنقلاب يوليو الذى حوله الشعب لثورة ضد التبعية والاستعمار
فى عام 1956ومقاومة العدوان الثلاثى فى ذروة
استعادته لأستحقاقه التاريخى فى قناة السويس وفى أوج تغول مؤسسات دولة يوليو الأمنية
تعمق الفصل والأغتراب عن الواقع السياسى تحت حملات عاتيه من التضيق واستلاب الحرية
والاعتقلات والارهاب وما صاحبها من منهج متكامل ذو طفرة أعلامية مهيمنه ورقابة صارمه
واستمر هذا حتى أنقلاب السادات على نهج سابقه بعدما توفرة له الأدوات والقدرة فحدثت
أنفراجه تزامنت مع تأسيس لدولة التبعية والعمالة وارتهان الإرادة الوطنية صاحبها طفرة
الثورة النفطية فى الدول التى لجأ اليها الكثير من أفراد الجماعة خارج سلخانة النظام
الناصرى وبعدها استراحة سادتية فى مناورته أمام قوى اليسار ثم الأنقلاب السادتى
ومعه أجهزة الدولة حتى أغتياله ثم الأستئناف
فى سلخنات نظام المخلوع كل هذه ساهم بألقاء ظلال على حقيقة أنسجام الرؤية السياسية
والحقوقية للجماعة مع مجمل الخطاب السياسي
فى الشأن الداخلى وتشكلاته
(5) الحوار مع الجماعة هو من قبل تجريب المجرب ،والمنتمى
لجماعة الأخوان معبأ ضد كل التيارات السياسية والفكرية ينطلق من أمتلاكه للحقيقة
المطلقه أمام غرماء يفتقرون الى الهداية فهم مهما أمتلكوا من مهارات مفتونون وأى
كان منطقهم غاون ومنسلخون عن هدى الرسالة معرضون للفتن والأفتتان تنقصهم التربية
والارشاد وجلهم ليس لهم أنتماء حقيقى بالأسلام لم يتبقى فى نفوسهم منه الا الأسم
وبعض الطقوس التى أفسدتها البدع وعليه فهذا التنظيم أتباعه مجرد أدوات فى قبضة
المرشد وأعوانه لايختلفون عن أفراد الجيش فى قاعدة اطاعة الأمر وتنفيذه وعليه
فالتعامل معهم سيكون أمتداد لنفس سياسة الأفشال على نهج التجربه والخطأ كما حدث مع
"حكم العسكر"بوتيره متصاعدة حتى سلم العسكر السلطة لقيادة مدنية منتخبه
ومحاولة التفرقه داخل تكتل الأسلام
السياسى بين التيار السلفى وبين الإخوان المسلمين
بحسب أن السلفين تكوين سائل ومجرد فقاعه فقهية طقوسية ستنقشع تحت ضغط التيارالمدنى
الغالب من جهة ووسطية الوجدان الدينى الذى يشكل نسيج المجتمع من جهة أخرى
(6) خروج هذا البند وتهميشه فى الصراع
الثوري يحول الثورة المصرية الى عملية نيو لوك على المستوى الدولى داخل جسد هزيل
وغير معافى ويهدر فرصه نادرة لاستيعاب قدرات شعب شاب وقادر على العبور للمستقبل خارج
قبضة الهيمنة والتبعية فلم تكن للمخلوع سياسة ولارؤية خارج إدارة وإرادة الولايات
المتحده وتحت شروط الكيان الغاصب .
وبعد