Sunday, November 06, 2016

قراءة فى نص الثورة




"الخيلُ تركُضُ في الشوارع
أوقفَ الشُّرطيُّ سيلَ المركباتِ وفَرَّ منها هارباً"
بين ركض الخيل وفرار الشرطي أحكم الراوي حصار المشهد وأنشأ حقل من المعاني تركض فيه الذاكرة بين وقائع وملاحم ومشاهد لازالت حية عصية على المغافلة ولاتفتقر للشهود الأحياء بين الثوار/الشهداء والشوارع والشعب والميادين، ولايبدو هذا الحصار بهدف تأجيج المخيلة لتلقي العبارة فحسب ولكن للإحاطة بعلامة للخيل لم ترصد مذ كانت الخيل تركض في خيال الشعراء فهى هنا لاتشكوا بعبرة وتحمم من هول القتال كما أخبر عنها عنترة، ولا تستعد في مرابطها كالنعامة فرس الحارس بن عباد، حين يقول :قربا مربط النعامة مني _لانبيع الرجال بيع النعال، ولاتستدعى للشهادة في أحقية المتنبي وصولته، ولاتتلاشى كما هى فى مرثية الجنوبي لها حين يقول: فاركضى أو قفي كل درب يقودك من مستحيل إلى مستحيل، فما هو الفعل الذى أضافه الراوي إلى كتاب أنساب الخيل؟

"خيلٌ رمت أوزارها في الريحِ ثم تراكبت موجاتها بيضاً ذُراها"

هكذا إذاً خيل لم تعد تحمل من الوزر ما يثاقلها خير رمت أَثْقَالَهَا ، خيل تقيم القيامة وتحمل كل منها "سائق وشهيد" هي خيل ليست كالخيل إنها تجسيد لروح الثورة العاتية وتوق الناس للتحرروالانعتاق من قبضة الاستبداد:

الخيلُ تركُضُ في الشوارِعِ لا تَرى إلا هَواها
ركضاً إلى الموت الحصينِ تُحاصرُه
الموتُ ماتَ لأنها لم تَخشهُ
لا تحسبوا الآجال أعدادَ النُّفُوسِ، فإنَّنا زِدنَا على الموتِ الكثيرِ عشَائرُه
هوَ لا يبادرُنا ونحنُ نبادرُه
ويشكُّ عزرائيلُ في سُلطانِهِ
فَتراهُ يَأمُرُ، ثم يَنْظُرُ هل تُطاعُ أوامرُهُ
الخيلُ تركُضُ في الشوارِعِ حُرَّةً
.......
......
وم الأسمنت والأسفلت .. يفلت فلت .. نهر مقدس الجريان
.....
فيه حاجة خلت خطة الموت ترتبك
عابس وعايز يشتبك
خاف من ضحية جاية ناوية تاخده بالأحضان
......
......
وهكذا الخيلُ تركُضُ في الشوارِعِ حُرَّةً

هنا ينتصف النص بين حالين: حال المشاهد من الشباك الراصد لملحمة كونية أدهشت العالمين وحال من يدرك موازين القوي وثقل أوزار القعود:
أطللتُ من شُبّاكِ داري ناظراً للشارعِ الملآنِ من أعلى
ومقابلي في الضّفَةِ الأُخرَى
وَقفَ العَدوُّ مُراقباً
لهباً توحشَ في البُيُوتْ،
قلَقِي مِن اطْمئنَانِه
هذي الخيولُ أرى لها في آخِرِ المجرى العظيمِ رَدَاها
إن الورودَ إذا رأيتَ ذُبُولها سَتَراهُ حينَ تَرَاها
قاسٍ عليَّ حمامُها
وعلى عَدُوِّي حينَ تهلكُ بردُها وسلامُها
أدري ويدري بالمصيرِ فينتشي وأمُوتْ
الدراية هنا كالعجز عن الأدراك لأنها عن ما لم يكن بعد ولايكتمل الا بالموت ، وصوت الراوى هنا كأنما يأتى من مقام :إنما أحدّثكَ لترى فإنْ رأيتَ فلا حديث ، وقد رأينا جميعاً فلم يكن الحدث الا ميدان وشهيد
ولكن أين هي الثورة /الحدث  في نص يحكي قصة خيول تحاصر الموت وتبادره؟

لكنَّ رعداً خافتاً يعلو وزلزلةً وصوتاً من سماءِ الله يأتي
تالياً شيئاً شبيهَ السُّورَة
الخيلُ أدرى بالذي تَسعى لهُ
فلتتركوها
إنّها مأمُورة

ههنا نكتشف أن الراوي لم يكن يسرد علينا حكاية ثورة تمت وقائعها ولكنه يحكي ويرصد ثورة مازالت قائمة و فى بدايتها تتشكل كحدث ولم تكشف بعد عن لثامها للتاريخ، الراوي يشهد لنا وعلينا وعلى ذاته عما نحن فيه صباح مساء جيلنا وزماننا ومصيرنا على مر قصائد عدة كقصيدته "لي سماء كالسماء" التي استشرف فيها الثورة قبل حدوثها في قوله:  "ونيل مصر نهر خيل تحت قوم غاضبين."

شىء كوعد السماء للمظلوم يستحضر المعنى القرآني ليس فقط لزلزلة النهاية ولكن لحقيقة أنه "قد خاب من حمل ظلما".

الخيل هنا صورة تستدعي الصور الحاضرة في الشعر العربي إلا أن معنى تلك الصور أومعنى المعنى هو إضاءة صورة شهداء الثورة وشهودها المخلصين على بدايات التكوين لعالم بلا استبداد ... بدايات تنطوي على ادراك لبدايات أولى للأمة عند ثنيات الوداع بعد _الخروج من الغار_ وتسابق الناس وتنازعهم لجذب ناقة صاحب رسالة التوحيد وموحد الأمة فيفض الرسول نزاعهم بقوله: "فلتتركوها إنّها مأمُورة" حتى استقرت راضية مختارة، تماما كما هو الشعب عندما يُجمع على ما لايريد فيخلعه، فيد الله مع الجماعة والشعب هو الجماعة الجامعة.


No comments: