وأعلم بأنك لست تهدي من تحب مدى الزمان
أفتسمع الصمّ الذي.. ن بعيشهم هم في افتتان
أم أنت تهدي العمى عن... ذل الضلالة والهوان
أتريد ترشد عصبة......... لشجاعهم قلب الجبان
خذ ما صفا لك بينهم ......واترك لهم كدر الأواني
وانزل إليهم لا تك......... لفهم إلى أعلى المكان
و لربما انقلبوا فلا......تنكر لهم قلب العيان
عبد الغني النابلسي القرن الحادي عشر الهجري
هذا ليس نقدا ولا تأويلا وإن شابه النقد والتأويل هو مجرد قراءة ، على هامش قصيدة تميم تتداعى و لا تدعي مرجعية
ولا تنشد انحيازا
مقدمة في قراءة العنوان
نعم هناك نصوص نكتبها وهناك نصوص تكتبنا، وعملية الكتابة هي عملية في غاية السهولة وفي غاية التعقيد، تلك الحروف المتشابكة التي تقصد المعني تقنص المعني والكتابة هي عملية خدش لبكارة المعنى داخل الرؤية، وعندما تكون الكتابة شعرا فهي تفكك ذرات الوعي وتعيد ترتيب أولوياته، فبيت من شعر المتنبي كما تقول الرواية أو الأسطورة، حال بينه وبين الهروب من مواجهة موت محتوم وتلك خطورة الشعر والشاعر، كانت العرب تقدس الشعر تقريبا لما له من أثر (1) فالشيخ الرئيس ابن سينا يقول:" كانوا ينزلون الشاعر منزلة النبي فينقادون لحكمه ويصدقون بكهانته"و يقول ابن سلام الجمحي (2)في طبقات فحول الشعراء: "هو علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه . ويقول أبن رشيق في خطبة كتابة العمدة "فقد وجدت الشعر أكبر علوم العرب، وأوفر حظوظ الأدب أحرى أن تقبل شهادته، وتمتثل إرادته لقول رسول الله (أن من الشعر لحكما)". كما يقول ابن خلدون في المقدمة : والاحتفاء بالشعر على هذا النحو إنما يرجع إلى أهمية الوظيفة التي ينهض بها في المجتمع..
هناك رحلة طويلة داخل تاريخ الشعر بطول تاريخ هذه الأمة ليس للخوض فيها سبيل في هذه القراءة ولكن في التكوين الشعري للأمة هناك محطات وخرائط وإشارات وعلامات وقطعيات ومفاصل أطل فيها الشعر وكأنه رباط من أربطة الهوية لتلك الأمة وكأنه هو "الخطاب". وبين الشعر والانفلات والتمرد حالة وجودية وبين الغواية والالتزام عندما نقرأ المتنبي نلاحظ تلك القسمة بينه وبين الممدوح أو المذموم فهو بقيمته يفيض على قيمة قوله فبين القول والقائل في قصيدته وأحر قلباه في سيف الدولة، تلخيص مدهش لمعنى صراع الإرادة بين السلطة والشاعر وعتبة المنتهى لعصمة الذات في مواجهة تماسك الذاتية، فالشروط والقيود التي فرضها قبل المكوث في بلاط سيف الدولة كانت تمليها سطوة الشعر لا الشاعر على سلطة الأمير (3
بين مصر والفرعون
أذهب إلى فرعون أنه طغي..... فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخش
قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى"
هناك خاصية ما في حكم مصر تتلبس الحاكم، خاصية يتعبد بها المسلمون في بقاع الأرض آيات تتلي ذكراَ وصلاة عنوان قصيدة تميم توجه إلى أمير مصر كما يراه الشاعر في الشارع وهو مفتونا بانفلاته الأمني إذ كان الأمن هو الخضوع لمشيئة الفرعون وما وراءه
لقد وجد تميم أخيرا سيف لدولة الشعر وهو الشعب وصدى صوت الزعيم السياسي والنقابي التونسي فرحات حشاد يردد أحبك ياشعب "وإذا الشعب أراد" لمواطنه الشابي تكمل لها الشرط والإرادة سيل هادر تجرف أمامها نظم القهر والهيمنة.
يا شعب مصر اللى سابقة ضحكته غضبه
ما يطلع الصبح إلا وصحبتك سببه
يا مخلص الأرض من وحشتها فى الأكوان
يا حجة الشمس تفضل طالعة ساعة كمان
مستأذنة وهى مش عادتها الاستئذان
متونسة بالميدان وبعشرته ونسبه
يا شعب يا مصلي قدام العساكر صف
يجري الجريح من ورا لقدام
لا خاف ولا خف
الشاهد والمشهود والمدافعين عن الحدود
"إذا كان المعني في حب مصر كعبة فقد كان الحج في الميدان له طقوس من دم "
المشهد
الشهادة وأصحاب الميدان
يا شعب مصر اللى سابقة ضحكته غضبه
تسبق الضحكة الغضب عندما يتحول الغضب من انفعال متفلت أو رد فعل أخرق إلي إرادة فاعلة ومطمئنة متيممه بعزيمة نافذة والضحك يكون بيقين المآل من الضاحك بعدما ظن المغضوب عليه أنه يواجه ما يطيق
الموقع
هذا الميكانزم المذهل بين المتحرك والساكن الشعب والميدان لا يستطيع المتأمل إيقاف التداعيات الهندسية والتاريخية والتزامنية لمشهد الميدان، ففي هندسة الميدان شيء ما وكأنه مصب نهر حاكته عوامل طبيعية علي مهل بين التاريخ والجغرفيا السياسية والقوة والشرعية والموقع وكأنه أحبولة قدر هىء لها فكانت ،تراكمت الرموز في هذا المكان تراكم يكاد يخفي بعضه بعض فبين عمر مكرم رمزية الرجل ودوره الثوري وبين المجمع كمعبد فرعوني مهيب يجسد جهاز عتيد من أجهزة سطوة الاعتراف في الدولة ومبنى الإذاعة والتلفزيون مركز الأشراف على الوعي الرسمي ، ميدان عبد المنعم رياض الرجل والمنهج وبين المتحف المصري وذكري ما حدث في متحف العراق والمبنى الرئيسي للحزب الوطني مقر سدنة الفرعون يحيط بذلك مجلس الشعب ومجلس الشورى وجامعة الدول العربية وجهاز المخابرات ووزارة الداخلية وسفارة الدولة المهيمنة على العالم وبعد ذلك النيل شاهد
كيف النداء على شعب مصر؟ كيف هو الخطاب أمام ملايين الجباة المرفوعة بعزيمة وإصرار وإرادة وشهادة؟
كيف الثبات على منبر الخطاب "ومنصته" ميدان التحرير والجيش هذه المرة يقدم استعراض ولائه للشعب ؟
هذا الشعب الذي ألغز على كل عباقرة الزمان من أبنائه والمارين بين أروقة التاريخ فلن تجد تفسيرا عند جمال حمدان ولا ابن خلدون ولا هيرودوت ولا عمر بن العاص ولا ياقوت الحموي ولا المتنبي ولا فاروق الباز أقرأ ما شئت وخذ التاريخ طول وعرض وفكر، شيء من هذا جعل عزمي بشارة يقول في بداية الأحداث على المفكرين أن يتمهلوا وينتبهوا لعله يقصد أن الآن وهنا يصنع التاريخ،
فماذا يقول الشاعر في ذلك:
ما يطلع الصبح إلا وصحبتك سببه
يا مخلص الأرض من وحشتها فى الأكوان
يا حجة الشمس تفضل طالعة ساعة كمان
مستأذنة وهى مش عادتها الاستئذان
متونسة بالميدان وبعشرته ونسبه
إنه يخاطب الكون فالصبح ينشد الصحبة والشمس تستأذن بالشروق لانها وجدت هذه المرة شروق الثورة مقيم هل هناك مبالغة ؟ لا فالشعب لم يترك للمبالغة موضع. فعندما تدرس علوم السياسة وتتجاذبك نظريات هوبز ونظرته "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان متي أعوزته الحيلة لجأ الي الدهاء" من جهة وهيوم من جهة أخرى وفنون الممكن وهيمنة النظام العالمي المنفلت من عقاله وسيول التقارير الاستراتيجية وصناعة التأثير والتحكم في الرأي العام وتراكمات التبعية وتصنيفات القوى في العالم تتسائل كيف لدولة مصنفة في السياسة الدولية كدولة عميلة أن يكون هذا هو شعبها أين كان متخفي من العالم والتاريخ ؟وكيف؟
فاصل لغة
متونسة
الأُنْس يُقال الأُنْسَة ضدُّ الوحْشَة وقيل هو الهيبة وقيل ارتفاع الحشمة مع وجود الهيبَة. ويُطْلَق الأُنس عند الصوفيَّة على أُنس خاصٍ وهو الأنس بالله أي التذاذ الروح بكمال الجمال وكذا المؤانسة
لسان العرب
يا شعب يا مصلي قدام العساكر صف
يجري الجريح من ورا لقدام
لا خاف ولا خف
تدوس عليه العربية تحوله لميت الف
يا للعجب يقتلوه ويتوقعوا هربه
يا للعجب يقتلوه ويتوقعوا غيابه
اللي اتقتل لسه واقف هو واصحابه
ما بهدل الامن غير من ماتوا واتصابوا
والصبح ما نور الا اما الشموس غربوا
اضرب عليا انا مش جاري يا قناص
من امتى خوفنا يابن الكلب ضرب رصاص
كل اللي شاف الشهيد بقى تاره تاره الخاص
الدم صاحي وعنيد ولا تقبلوش تربه
يا شعب ياللي دفع تمن الشوارع دم
احفظ اسامي اللي ماتوا في الشوارع صم
يجد الشاعر من موقع الشاهد مدد يعينه على تفسير ما لايفسر فالعالم كله شاهد كما شاهد الشاعر ولكن الشاعر في مشاهدته يكون شاهدومشهود فهذا الخيط الدقيق الأدق من الحرير الذي يغزل به الشاعر رؤاه يلملم حبات التفاصيل ويعيد غزلها بنسيج الرؤية محافظ على تسلسل المعاني مدققا في الأثر بين الكوني والمحلي بين الإنساني والملائكي بين الوجودي والعدمي بين المطلق والزائل حتى تغرب شموس الشهداء لتأذن لصبح المستقبل أن ينتشر.
للموت رهبة
الموت كان مصاحب للمشاهد العربي على الهواء مباشرة منذ الانتفاضة الأولى وبين رهبة الموت التي تلاعب بها الطفل الفلسطيني أمام كهول العرب منذ أن أطلق الحجر الأول على وعي الأمة منذ أن قبض على الحجر بيد فيما تقبض اليد الأخرى على رقبة ضمير الأمة وترجها رجا هذا الجيل تشكل وعيه على مشاهد أجسام الشهداء والمغدورين وهو يأكل وهو يشرب وهو يلهو وهو يحب وهو يضحك وكأنه هناك في مكان ما في هذا العالم فمن يسلط على وعيه رهبوت الموت؟ عرف الموت بكل الوسائل عرف الاغتيال بكل الحيل شيء ما جعل الموت حاضرا في الإعلام وصناعة الخبر وكأنه نوع من الدراما اليومية وهناك في مكان ما من الوعي نوع من المقارنات بين كل شهادة وأخري بين كل طريقه وأخري، عندما فرض نظام الهيمنة على الناس الاختيار بين الموت أو الاستباحة
كل هذا كان يزاحم وعي المشاهد العربي ولكن هنا كان للموت فخ كان الموت مفعول به يتلاعب به الشعب ويتبادله ويحرز بمطاردته الأهداف كأن الموت صلاة كأن الموت شاهد بين الصلاة أمام العساكر أدوات السلطة المجردة وبين بهدلة هذه السلطة - مباراة من الجسارة بين التوقع والذهول بين الحضور والغياب الثبات والحركة حرفنه وهندسة عرض خرافي أين تدرب عليه هذا الشباب ومن هو المدرب وكيف وزع خطته على ملايين بدون كلام كيف اتفق؟
يجري الجريح من ورا لقدام
لا خاف ولا خف
تدوس عليه العربية تحوله لميت الف
يا للعجب يقتلوه ويتوقعوا هربه
يا للعجب يقتلوه ويتوقعوا غيابه
اللي اتقتل لسه واقف هو واصحابه
ما بهدل الامن غير من ماتوا واتصابوا
يشدد الشاهد علي مشهد شهداء الميدان فكل حبة من ذرات الوعي واللاوعي في سلسلة الرؤية لابد لها من دانة يدورر حولها المعنى والشهداء في هذا المشهد هم واسطة العقد الشموس التى غربت لتسمح لفجر المستقبل
كل اللي شاف الشهيد بقى تاره تاره الخاص
الدم صاحي وعنيد ولا تقبلوش تربه
يا شعب ياللي دفع تمن الشوارع دم
احفظ اسامي اللي ماتوا في الشوارع صم
نص
الصورة تامل بالغ التعقيد في المعنى
لوران بارت
نص يحاور نص
ولكن ما الصورة إذا جاء المعنى؟
جلال الدين الرومى
عندما نقول بأن الصورة هي لغة فهذا خطأ، وصحيح في الآن نفسه خطأ بالمعنى الحرفي، لأن الصورة الفوتوغرافية باعتبارها نسخة مطابقة للواقع، لا تتضمن أي ذرة متقطعة يمكن تسميتها علامة : حرفيا ليس هناك أي معادل للكلمة أو الحرف في الصورة، لكن صحيح حيث أن التركيب وأسلوب الصورة يشتغلان كرسالة ثانية تحيل إلى الواقع، والى الفوتوغرافي هذا ما نسميه بالإيحاء الذي يعتبر لغة، والحالة هذه فالصور تحيل دائما إلى أشياء مختلفة عما تظهره على مستوي التقرير: انه يشكل مفارقة بالأسلوب و بالأسلوب وحده ،تعتبر الصورة لغة (4
تناص
لو طبّوا بكره اليهود يا مصر وخدوكي
والله ما ها يشيلوا من فوق الكراسى حد
هايلاقوا مين يحكمك غير اللى باعوكى ؟
مفروشه ليهم وقدم سبت تلقى الحد ؟!
كل الحكايه يهود فى يهود ..
لا تقولى قبطى ولا مسلم ..
وموشى كان من قبله داوود
وليه نموت ولا نتعلم !
(نجيب سرور)
عودة للقصيدة
الشهداء عند تميم البرغوثي أو الشموس الغائبة هم محور الرؤية وجوهرها
: من امتى خوفنا يابن الكلب ضرب رصاص
تأملات في تاريخ سب الفرعون
عندما خلع نجيب سرور ملابسه الداخلية ،وهتك الأستار فى قصيدته المعروفة ، نلاحظ أنه وضع أحدي يديه على عورته في مخاطبة الفرعون
يقولوها ليه والصهاينه بره مش جوه
يبقى الصهاينه "يا ريّس" جوه مش برّه
و عندما يقول
يا يقتلونى يا اما محاكمه علنيه
للى شنقنى ولو كان انور السادات
_____________
أما عند تميم في "من امتى خوفنا يابن الكلب ضرب رصاص" نجد هذا السقف العلني في سب الفرعون يوقن أن عصر الفرعون والفرعنة أنتهى تماما.
أما بعد