Monday, November 28, 2016

قراءة : الحلقة السادسة "مع تميم " أًمَل




صلبوه فماذا بربك تنتظرين
لقد صلبوه وليس مسيحا ولا ابن إله
لقد صلبوه لسرقته المال أو قوله الزور
أو سفكه الدم أو أي ذنب جناه
ولم يصلبوه لدعوى ودين 
فماذابربك تنتظرين ؟
ويا أُمُه لم يكن يُبرىءُ الصُمَ والبُكمَ والعُميَ
لم يخرج الجن من رأس مصروعة مؤمنةٍ
وما رف من بين كفيه طيرٌ
ولم يتحدَّ المرائين والكهنة
ولم يأته في لياليه روحٌ أمين
فماذا بربك تنتظرين
ويا أمه لم يكن فيه أي اختلاف عن الآخرين





كل قراءة هي إساءة قراءة
بول دى مان


من ابن مريم الى أمل سنوات عجاف كثر


بأسم أمل يتزى نص ابن مريم مع تميم ما يعيد التأويل للنص كله فاسم النص هوية وكيان وكما هو القول المنسوب الى أبن عربى الأسماء تحن الى الاشياء

فإذا كان ظاهر النص كما يذهب محمد جرادات في قراءته المتميزة لديوان فى القدس منذ سنوات (1) بعدسة التناص

"يوظف تميم شخصية السيد المسيح ويرمز بها للإنسان الفلسطيني وشخصية الأم مريم ويرمز بها بالأمة العربية ؛ فيبدأ قصيدته مخاطباً مريم / الأمة العربية ، فالشعب الفلسطيني قد صُلب وعُذب ولم يزعم بأنه مسيحٌ أو ابن إله ولم يسرق المال ، وما شهد الزور أبداً ، وما أراق دم أحد ، ولم تقم عليه دعوى ، وما جاء بدين جديد ، ولم يكن لديه معجزات كالمسيح عليه السلام الذي كان يبرئ الصم والبكم والعمي ويشفي المرضى ويصنع من الطين كهيئة طير بإذن الله ولم يتحدى المرائين وكهنة الهيكل كما فعل المسيح، ولم يأتِ هذا الشعب ملك أمين من عند الله يحميه من هجمة الاحتلال عليه وإمعانه في قتله ، فهو لم يرتكب الجرائم الجسام التي يستحق من اجلها كل هذا العقاب ومع ذلك صُلب وقتل ولم يكن الإنسان الفلسطيني نبياً فيه اختلاف عن الآخرين كي يُحارب ويصبر صبر الأنبياء ، فيا أمه / أمته العربية ماذا تنظرين ؟؟!! "

فالعنوان في هذه الرواية المحكية للنص أضافة نوعية بين صدور ديوان في القدس، عن دار الشروق في القاهرة عام 2009 ورواية النص فى "مع تميم " نهاية 2016 و انتفاضت شعوب الأمه التى لاتزال في بدايتها تتلمس الوسيلة للخلاص فبضع سنين فى عمر الشعوب طرفة عين

وها هو نص أمل بعد نص ـ فى العالم العربي تعيش ـ الروية السابقة بافتراض أن الروايات لاتخلوا من تنادى وتناص (مع تميم ) كأن لسان الحال يردد مع الطغرائي

أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها 
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

فإذا عاودنا النظر مع جوليا كريستيفا إلى النص باعتباره نتاجاً لنصوص سابقة ، يعقد معها النص الجديد علاقة تبادل حواري ، أي أن النص يُنشِىء علاقة مع الماضي في
 سياقاته الثقافية والتاريخية والدينية ... الخ .


فالأمل هنا مع تميم يعيد تأويل " الانتظارو الترقب " ويوجه سارية سفينة الزمن بين دهرين ليختار في القدس الانحياز الى الدهر الكامنٌ المتلثمٌ الذى وضع لثامه فى الميادين

فالمدينةُ دهرُها دهرانِ
دهر أجنبي مطمئنٌ لا يغيرُ خطوَه وكأنَّه يمشي خلالَ النومْ
وهناك دهرٌ، كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍ حِذار القومْ
.....
الأسم أمل يحصن النص ضد اليأس وخطابات انعاش وتسويق التبعية ، فالأمل جوهر البشارة واليأس يمتنع على المؤمنين بنص الكتاب ، إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
(1) التناص الديني في ديوان تميم البرغوثي ( في القدس ) بقلم:محمد جرادات

Sunday, November 20, 2016

قراءة


في العالم العربي، تعيش، 
كماْ قط ساكن تحت عربية 
عينيه ماتشوفش م الدنيا دي حاجة الا الجِزَمْ

في العالم العربي تعيش، 
كما بهلوان السيرك
تحتك بهلوان دايس عليه 
وفوق دماغك بهلوان دايس عليك
والكل واقف محترم 

في العالم العربي تعيش، 
مباراة بقالها ألف عام 
لعّيبة تجري يمين شمال 
والكورة طول الوقت 
في إدين الحكم

في العالم العربي تقول للبنت حبيتك 
تناولك بالأَلَمْ

في العالم العربي تعيش، 
تشتم في طعم المية والطعمية 
والقهوة ورُوَّادها وفي مراتك وأولادها 
وحر وزحمة الأوتوبيس 
وفي اللي بيعمله ابليس 
وفي التفليس 
ولو سألوك
تقول الحمد لله ربنا يديمها نعم

في العالم العربي تعيش،
كما دمعة في عيون الكريم 
المحنة تطردها يرجّعها الكَرَمْ

في العالم العربي تعيش، 
تلميذ في حوش المدرسة 
من غير فطار 
عينه على الشارع 
وبيحيي العَلَمْ

في العالم العربي تعيش، 
بتبص في الساعة 
وخايف نشرة الاخبار تفوت
علشان تشوف ع الشاشة ناس،
في العالم العربي، 
تموت

الدرك الأسفل من العيش

النصوص لاتستجلب لدلالتها الجمالية وحسب ولكنها  

لها خاصية أختيار أزمنتها وهي 


تستجلب لعلاقتها المباشرة باليومي والحدث/الحادث  وهذا النص وأن كان يعبر عن نسق ما قبل أنتفاضة الشعوب  ديوان 

المنظر، عن دار الشروق بالقاهرة عام 2002 


ألا ان استجلابه فعل مقاوم لمحاولات طى صفحة حدث  الانتفاضات الشعبية فى العالم العربي فالذكرى تنفع الثائرين فالعوده الى ماكان لن تجلب الا هكذا عيش وعلى هامش المفارقة بين الوجود والعيش يهىء الراوى مسرح القول ويضرب الامثال ،فالعيش والعيشه درجه من درجات الحياة أو هى الدرك الاسفل للوجود الأنساني   مجرد العيش أو الفرار الذى يتجدد كل صباح

يقول المتنبي : 
ذَلّ مَنْ يَغْبِطُ الذّليل بعَيشٍ, رُبّ عَيشٍ أخَفُّ منْهُ الحِمامُ

فما هوهذا العيش الذى يوصفه الشاعر
في العالم العربي، تعيش، 
كماْ قط ساكن تحت عربية 
عينيه ماتشوفش م الدنيا دي حاجة الا الجِزَمْ

أختار الراوى من الكائنات قط الشوارع الذى يعيش متوجساً ومتحسباً طوال الوقت من هجوم أقرانه أو طحن أعدائه أوموت الفاجئه لهذا فهو يعيش على حافة الكارثة ، وهنا لم يهبط الراوى فى النص درجه واحده من درجات الوجود بين الإنسان والحيوان ولكنه أختار من من عيشة الحيوان اتعسها فمن القطط من يعيش منعم فى رعاية ودعه

يبدأ النص بجملة مباشرة كالسهم 
في العالم العربي، تعيش،

وكلنا نعيش أو عشنا فى العالم العربي فالراوى لايحدثنا عما نجهل بل يحدثنا عما نتغافل عنه ونراه بأم أعيننا طوال الوقت أو نسمع عنه ونرصده هو لايتكلم عن تجربه شعرية خاصة تبحر فى عالم التأمل ملتبسه ومتسامية ومستغلقه ولكنه يتكلم عنا نحن بلا حجاب "وبينه وبيننا " العالم العربى حولنا ،وهكذا فى سبع لوحات كما هى سبعة أيام الوجود يوصف الراوى العيشه الراوى ( العيشة فى العالم العربي هذا الكيان الأيل للسقوط )

فإذا كانت اللوحة الأولى قد رصدت وجه من أوجه العيش فى ظلال التوجس والخوف فالقط كما هو ذو سبعة أرواح وكما هو صموت وكتوم الا انه متوجس ومنسحب وجبان فى حزمة دلالية أخرى ولكنه رغم كل شىء بارع الى حد كبير فى مواجهة وجوده كحيوان ذو فرو ومخالب ومرونه وينهى الراوى اللوحة بكلمة ثقيلة الدلالة (الجِزَمْ ) كلمة تحمل من الاهانة أوطئها بما لاينفصل عن الذل والمهانة
ينتقل الراوى فى اللوحة الثانية ليحيط ببعد أخر من أبعاد العيشه 
في العالم العربي تعيش، 
كما بهلوان السيرك
تحتك بهلوان دايس عليه 
وفوق دماغك بهلوان دايس عليك
والكل واقف محترم
وبين القط والبهلوان تشابه فى المرونه والتخفى والملاطفه
وهكذا يوصف الراوى فى اللوحة الثانية أجراءات التماهى مع الكذبه الشاملة والادعاء الرخيص فالكل قاهر ومقهور فى القاهرة والكل واقف محترم وكأنه يتعبد فى محراب الاستعباد
يسارع الرواوي فى اللوحة الثالثة فى توصيف سر هذا الاحترام المهترأ و لماذا الكل مسؤول ومشارك فى هذه العيشة؟
في العالم العربي تعيش، 
مباراة بقالها ألف عام (1) 
لعّيبة تجري يمين شمال 
والكورة طول الوقت 
في إدين الحكم
هى إزمة خطاب ونسق لاستبداد كثيف الجذورومتأصل فى أصقاع الذات العربية هوتاريخ للظلم والمظلومية عتيق تراكم عبر طبقات التاريخ وهوبالضبط السبب فى" المنظر " وسر تماسك بنيات الفساد تلك اليد القابضة على كرة السلطة والمستفيدة من هكذا عيشة مهما طالت المبارة ....
يا ناس مفيش حاكم إلا من خيال محكوم (يا مصر هانت)

فههنا مساحة مشروعة  للتسائل عن ماهية وجوهر هذه الهزيمة الافتراضية التى تنمو وتهيمن على واقع الناس وهل المبارة هذه المرة قائمة بالفعل بلا حكام وأن الحكم ما هو الا وهم مقيم فى إذهان الناس يجب تبديده .


فى اللوحة الرابعه يراوغ الراوى لاستراحة محارب بحضورالأنثى الحبيبة على هوى الشعراء وغير الشعراء منتميا لهويته متسامراً مع جيله مسوقاً للعجب من العيش والعيشة
في العالم العربي تقول للبنت حبيتك 
تناولك بالأَلَمْ
ليعود فى اللوحة الخامسة الى قلب العيشة واللى عيشنها فالشيطان يكمن فى التفاصيل
في العالم العربي تعيش، 
تشتم في طعم المية والطعمية 
والقهوة ورُوَّادها وفي مراتك وأولادها 
وحر وزحمة الأوتوبيس 
وفي اللي بيعمله ابليس 
وفي التفليس 
ولو سألوك
تقول الحمد لله ربنا يديمها نعم
المفارقة هنا تأسس  لمشرعية تسائل ؟ عن لماذا كل هذا التحمل ومن أين كل تلك الصلابه لتحمل كل هذا الهم والنقم والضنك لماذا تلك الطاقه تهدر فى مبارة مزيفه ولأجل ماذا ؟ عيشه هذا حالها تؤل بالنعم وعلى اية "مذهب" يحمد عليها الله الذى كرم بنى أدم ولكنهم مجلوبين على ظلم أنفسهم

يبدو الراوى فى اللوحة الخامسة منتبهاً للجانب الآخر الذى تهيمن عليه العيشه ولكنها لاتحيط به وهو حال المنتبهين من الناس لخواء العيشة ولاجدوها وهؤلاء قليلون فى الناس هؤلاء المهمومين بحال الأمه يرون صلاحها ولكن لاطاعة لهم أو كما قال حكيم العرب دريد بن الصمة قديما فى قومه وهل أنا إلا من غزية إن غـوت, غويت، وإن ترشد غزيـة أرشد
كما دمعة في عيون الكريم 
المحنة تطردها يرجّعها الكَرَمْ
يعود الراوى فى اللوحة السادسة الى أحدى تفاصيل العيشة مع تلاميذ المدارس بذور المستقبل يوصف لماذا يستمر وئد المستقبل فى الحاضر مع هذا التلميذ الجائع الذى يدرس مناهج محنطه ويلتزم بطقوس مفرغة من مراميها ليس لها بواقع معيشته نسب أو سبب 
في العالم العربي تعيش، 
تلميذ في حوش المدرسة 
من غير فطار 
عينه على الشارع 
وبيحيي العَلَمْ
لينهى الراوى لوحته الأخيرة بكشف القناع عن الخواء وراء هذه العيشة التى هى لازمة النص وأنها على الحقيقة ليست عيشه ولكنها عدم وموت فهى فارغة من الإرادة ومن الكرامة ومن الأمل لأنها مهدرة المستقبل تحت واقع على الحقيقة موهوم عيشه لن تجلب غير الهوان والموت لقد عكف الراوي على تعرية العيشة طبقه طبقه ليوصف "كيف ولماذا " توقف العالم العربى عن الوجود ، وتشبث بخيط رفيع لنبض الحياة هو العيش مجرد العيش فلا وجود فى ظل هيمنة الاستبداد الذي يمتص رحيق الوجود ويصادر الحرية والانفتاح والمغامرة بما يعممه من الفاقة والعجز والخوف والحاجه ، ورد في كتاب “الملاحن” لابن دريد الأزدي : » والله ما سألت فلانا حاجة قط والحاجة ضرب من شجر له شوك والجمع حاج والانسان أبن الحاجة وعندما يكون العيش هكذا كما يرصد الراوي فهو يكون عيش خالى من الحياة من الوجود عيش الهَوَانُ وكما قال المتنبي :
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ, ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ.
في العالم العربي تعيش، 
بتبص في الساعة 
وخايف نشرة الاخبار تفوت
علشان تشوف ع الشاشة ناس،
في العالم العربي، 
تموت
_____________________________
هامش
1-لماذا ألف عام و ما الذى يختلف نوعياً في القرون الأربعة الأولى من عمر الأمة ؟ هنا موضوع لسؤال قلق بين علوم السياسة ورخصة الشعراء

Wednesday, November 16, 2016

عن السلطة وصناعة الخوف





قراءة

الصُّبْحِ مادِدْ مِنِ القُضْبَانْ صَوَابِعُه الخَمْسْ
يِغْمِسْ إِيدِيِه مْعَاكُوْ فِي الفُولْ، والشَّجَاعَةْ، غَمْسْ
والليلْ عَبِيطْ فَاكِرِ اْنُّه ثُوبْ مِغَطِّي الشَّمْسْ
إن هناك أنواعاً من الديكتاتوريات، ومنها نوع يشوبه العته المقصود، وهي تسمى في العلوم السياسية “خطة الرجل المجنون”. وهذا النوع يقتضي أن يقوم الحاكم بتحركات لا منطق فيها بتاتاً، ولا فائدة لها، ولكنها بالغة القسوة والإيلام، لا لشيء إلا ليتعود الناس على أنه فوق كل قانون، بما في ذلك قوانين المنطق الطبيعي. الأمر شبيه بالساحر الذي يظهر للناس أنه يخرق التوقع، وأن قوانين الطبيعة لا تنطبق عليه، فينال بسلطة الإبهار منهم ما يشاء. وقد كان الحراس في معتقلات النازي يغيرون القوانين كل يوم، لكي لا يعلم السجناء ماذا يتوقعون، ويصبحوا في حالة خوف دائم، ويتقبلوا أي فعل يأتي به الحراس، مهما كان غير منطقي.
تميم البرغوثي ( مقال ) الجنون المَدْرُوس
يا شعب انت اللى كارم كل من حكمك
الدوله دى عارفه تحكم بس من كرمك
كشرلها وهى تيجى تبوس قدمك
مفيش حاجة اسمها مليون راجل اتغصبوا

Sunday, November 06, 2016

قراءة فى نص الثورة




"الخيلُ تركُضُ في الشوارع
أوقفَ الشُّرطيُّ سيلَ المركباتِ وفَرَّ منها هارباً"
بين ركض الخيل وفرار الشرطي أحكم الراوي حصار المشهد وأنشأ حقل من المعاني تركض فيه الذاكرة بين وقائع وملاحم ومشاهد لازالت حية عصية على المغافلة ولاتفتقر للشهود الأحياء بين الثوار/الشهداء والشوارع والشعب والميادين، ولايبدو هذا الحصار بهدف تأجيج المخيلة لتلقي العبارة فحسب ولكن للإحاطة بعلامة للخيل لم ترصد مذ كانت الخيل تركض في خيال الشعراء فهى هنا لاتشكوا بعبرة وتحمم من هول القتال كما أخبر عنها عنترة، ولا تستعد في مرابطها كالنعامة فرس الحارس بن عباد، حين يقول :قربا مربط النعامة مني _لانبيع الرجال بيع النعال، ولاتستدعى للشهادة في أحقية المتنبي وصولته، ولاتتلاشى كما هى فى مرثية الجنوبي لها حين يقول: فاركضى أو قفي كل درب يقودك من مستحيل إلى مستحيل، فما هو الفعل الذى أضافه الراوي إلى كتاب أنساب الخيل؟

"خيلٌ رمت أوزارها في الريحِ ثم تراكبت موجاتها بيضاً ذُراها"

هكذا إذاً خيل لم تعد تحمل من الوزر ما يثاقلها خير رمت أَثْقَالَهَا ، خيل تقيم القيامة وتحمل كل منها "سائق وشهيد" هي خيل ليست كالخيل إنها تجسيد لروح الثورة العاتية وتوق الناس للتحرروالانعتاق من قبضة الاستبداد:

الخيلُ تركُضُ في الشوارِعِ لا تَرى إلا هَواها
ركضاً إلى الموت الحصينِ تُحاصرُه
الموتُ ماتَ لأنها لم تَخشهُ
لا تحسبوا الآجال أعدادَ النُّفُوسِ، فإنَّنا زِدنَا على الموتِ الكثيرِ عشَائرُه
هوَ لا يبادرُنا ونحنُ نبادرُه
ويشكُّ عزرائيلُ في سُلطانِهِ
فَتراهُ يَأمُرُ، ثم يَنْظُرُ هل تُطاعُ أوامرُهُ
الخيلُ تركُضُ في الشوارِعِ حُرَّةً
.......
......
وم الأسمنت والأسفلت .. يفلت فلت .. نهر مقدس الجريان
.....
فيه حاجة خلت خطة الموت ترتبك
عابس وعايز يشتبك
خاف من ضحية جاية ناوية تاخده بالأحضان
......
......
وهكذا الخيلُ تركُضُ في الشوارِعِ حُرَّةً

هنا ينتصف النص بين حالين: حال المشاهد من الشباك الراصد لملحمة كونية أدهشت العالمين وحال من يدرك موازين القوي وثقل أوزار القعود:
أطللتُ من شُبّاكِ داري ناظراً للشارعِ الملآنِ من أعلى
ومقابلي في الضّفَةِ الأُخرَى
وَقفَ العَدوُّ مُراقباً
لهباً توحشَ في البُيُوتْ،
قلَقِي مِن اطْمئنَانِه
هذي الخيولُ أرى لها في آخِرِ المجرى العظيمِ رَدَاها
إن الورودَ إذا رأيتَ ذُبُولها سَتَراهُ حينَ تَرَاها
قاسٍ عليَّ حمامُها
وعلى عَدُوِّي حينَ تهلكُ بردُها وسلامُها
أدري ويدري بالمصيرِ فينتشي وأمُوتْ
الدراية هنا كالعجز عن الأدراك لأنها عن ما لم يكن بعد ولايكتمل الا بالموت ، وصوت الراوى هنا كأنما يأتى من مقام :إنما أحدّثكَ لترى فإنْ رأيتَ فلا حديث ، وقد رأينا جميعاً فلم يكن الحدث الا ميدان وشهيد
ولكن أين هي الثورة /الحدث  في نص يحكي قصة خيول تحاصر الموت وتبادره؟

لكنَّ رعداً خافتاً يعلو وزلزلةً وصوتاً من سماءِ الله يأتي
تالياً شيئاً شبيهَ السُّورَة
الخيلُ أدرى بالذي تَسعى لهُ
فلتتركوها
إنّها مأمُورة

ههنا نكتشف أن الراوي لم يكن يسرد علينا حكاية ثورة تمت وقائعها ولكنه يحكي ويرصد ثورة مازالت قائمة و فى بدايتها تتشكل كحدث ولم تكشف بعد عن لثامها للتاريخ، الراوي يشهد لنا وعلينا وعلى ذاته عما نحن فيه صباح مساء جيلنا وزماننا ومصيرنا على مر قصائد عدة كقصيدته "لي سماء كالسماء" التي استشرف فيها الثورة قبل حدوثها في قوله:  "ونيل مصر نهر خيل تحت قوم غاضبين."

شىء كوعد السماء للمظلوم يستحضر المعنى القرآني ليس فقط لزلزلة النهاية ولكن لحقيقة أنه "قد خاب من حمل ظلما".

الخيل هنا صورة تستدعي الصور الحاضرة في الشعر العربي إلا أن معنى تلك الصور أومعنى المعنى هو إضاءة صورة شهداء الثورة وشهودها المخلصين على بدايات التكوين لعالم بلا استبداد ... بدايات تنطوي على ادراك لبدايات أولى للأمة عند ثنيات الوداع بعد _الخروج من الغار_ وتسابق الناس وتنازعهم لجذب ناقة صاحب رسالة التوحيد وموحد الأمة فيفض الرسول نزاعهم بقوله: "فلتتركوها إنّها مأمُورة" حتى استقرت راضية مختارة، تماما كما هو الشعب عندما يُجمع على ما لايريد فيخلعه، فيد الله مع الجماعة والشعب هو الجماعة الجامعة.